الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وسجود السهو وإن كثر ) السهو ( سجدتان ) بينهما جلسة لاقتصاره صلى الله عليه وسلم عليهما في قصة ذي اليدين مع تعدده فيها ؛ لأنه سلم من ثنتين وتكلم ومشى والأوجه أنه يقع جابرا لكل ما سها به ما لم يخصه ببعضه واحتمال البطلان الذي قاله الروياني ؛ لأنه غير مشروع الآن يرد بمنع ما علل به بل هو مشروع لكل على انفراده وإنما غاية الأمر أنها تداخلت فإذا نوى بعضها فقد أتى ببعض المشروع بخلاف ما لو اقتصر على سجدة ومن ثم أبطلت [ ص: 199 ] الصلاة لكن محله إن نوى الاقتصار عليها ابتداء أما لو عرض بعد فعلها فلا يؤثر كما هو ظاهر ؛ لأنها نفل وهو لا يصير واجبا بالشروع فيه وكونه يصير زيادة من جنس الصلاة وهي مبطلة محله كما مر إن تعمدها وهنا لم يتعمدها كما تقرر وعلى هذا التفصيل يحمل ما نقل عن ابن الرفعة من إطلاق البطلان وعن القفال من إطلاق عدمه وهما كالجلسة بينهما ( كسجود الصلاة ) والجلوس بين سجدتيها في واجبات الثلاثة ومندوباتها السابقة كالذكر فيها ، وقيل يقول فيهما سبحان من لا ينام ولا يسهو وهو لائق بالحال لكن إن سها لا إن تعمد ؛ لأن اللائق حينئذ الاستغفار ، ولو أخل بشرط من شروط السجدة أو الجلوس .

                                                                                                                              فظاهر أنه يأتي ما مر في السجدة من أنه إن نوى الإخلال به قبل فعله أو معه وفعله بطلت صلاته ، وإن طرأ له أثناء فعله الإخلال به فأخل وتركه فورا لم تبطل وعلى هذا الأخير يحمل إطلاق الإسنوي عدم البطلان ونوزع فيه بما يرده ما قررته وقضية التشبيه أنه لا تجب نية سجود السهو وهو قياس عدم وجوب نية سجدة التلاوة لكن الوجه الفرق فإن سببها القراءة المطلوبة في الصلاة فشملتها نيتها ابتداء من هذه الحيثية ، وإن لم تشملها من حيث قيامها مقام سجدة الصلاة ؛ لأنها ليست من أفعالها المطلوبة فيها من حيث كونها صلاة بل لفروض القراءة فيها التي قد توجد وقد لا بخلاف جلسة الاستراحة وأما سجود السهو فليس سببه مطلوبا فيها وإنما هو منهي عنه فلم تشمله [ ص: 200 ] نيتها ابتداء فوجبت أي على الإمام والمنفرد دون المأموم كما هو واضح ؛ لأن أفعاله تنصرف لمحض المتابعة بلا نية منه وقد مر أنه يلزمه موافقته فيه ، وإن لم يعرف سهوه فكيف تتصور نيته له حينئذ نيته بأن يقصده عن السهو عند شروعه فيه وبقولي عن السهو علم أن معنى النية المثبت وجوبها هنا قصد السجود عن خصوص السهو والمنفي وجوبها في سجود التلاوة قصده عنها فمطلق قصده يكفي في هذه دون تلك وبهذا يرد على من توهم اتحاد النية التي هي مطلق القصد في البابين فاعترض الفرق بينهما بأن الصواب وجوبها فيهما إذ لا يتصور الاعتداد بسجود بلا قصد قال وقول ابن الرفعة لا تجب نية سجدة التلاوة ضعيف إلا أن يريد أنه لا يجب فيها تحرم وليس كما زعم بل هو صحيح لما تقرر من معناها هنا المفارق لمعناها ثم فتأمل ذلك فإنه مهم ، قيل ولا تبطل بالتلفظ بهذه النية وفيه نظر بل لا وجه له لأنه لا ضرورة لذلك نظير ما مر في نية نحو الصوم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وإن طرأ له ) أي : كأن طرأ له الرفع من السجدة قبل الطمأنينة ( قوله : وقضية التشبيه أنه لا تجب إلخ ) الوجه تخصيص وجوب نية سجود السهو بغير المأموم فلا تجب عليه ؛ لأن وجوب المتابعة يغني عنها وكنية سجود السهو نية سجود التلاوة عند من يقول بوجوبها أيضا كشيخنا الرملي فيختص وجوبها بغير المأموم لما ذكر وقد يؤيد التخصيص قولهم واللفظ للعباب ومن سجد إمامه في السرية من قيام سجد معه فلعله سجد للتلاوة فإن سجد ثانية لم يتابعه ، بل يقوم ا هـ فإنه صريح في وجوب سجوده معه وإن جهل أنه عن التلاوة ومن جهل لا تتأتى منه النية التي شرطها الجزم ، فليتأمل . ( فرع ) هل تجوز نية سجود السهو وإن صدر السبب عمدا بناء على أن سجود السهو صار علما في الشرع على السجود للخلل مطلقا ؟ فيه نظر ولا يبعد الجواز ما لم [ ص: 200 ] يقصد بالسهو حقيقته ؛ لأن ذلك تلاعب ، فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله بينهما جلسة ) إلى قوله وقضية التشبيه في النهاية وكذا في المغني إلا قوله واحتمال البطلان إلى قوله بخلاف ما إلخ . ( قوله وإن كثر السهو ) فلو أحرم منفردا برباعية وأتى منها بركعة وسها فيها ثم اقتدى بمسافر قاصر فسها إمامه ولم يسجد ثم أتى هو بالرابعة بعد سلامه فسها فيها كفى للجميع سجدتان نهاية ومغني ( قوله مع تعدده ) أي السهو ( قوله ما لم يخصه ببعضه ) أي وإلا فيحصل ويكون تاركا للباقي في نهاية ومغني أي ثم لو عن له السجود للباقي لم يجز وإذا فعله عامدا عالما بطلت صلاته ؛ لأنه زيادة غير مشروعة لفواته بتخصيص السجود الذي فعله ببعض المقتضيات ولو نوى السجود لترك التشهد الأول مثلا وترك السورة فالظاهر أن صلاته تبطل ؛ لأن السجود بلا سبب ممنوع وبنية ما ذكر شرك بين مانع ومقتض فيغلب المانع وبقي ما لو قصد أحدهما لا بعينه هل يضر أم لا ؟ فيه نظر والأقرب الأول ؛ لأن أحدهما صادق بما يشرع له السجود وما لا يشرع له فلا يصح ترديده النية بينهما ع ش .

                                                                                                                              ( وقوله ولو نوى إلخ ) أي عامدا عالما أخذا مما قدمه ونظائره ( قوله واحتمال البطلان ) أي بطلان الصلاة بالتخصيص بالبعض ( قوله الذي إلخ ) نعت للاحتمال ( قوله لأنه ) أي التخصيص ( قوله الآن ) أي حين تعدد السهو ( قوله بل هو إلخ ) أي السجود ( قوله أنها تداخلت ) السجدات المطلوبة لأسباب متعددة ( قوله ولو اقتصر ) أي المصلي ع ش ( قوله ومن ثم ) أي لعدم مشروعية الاقتصار على سجدة واحدة ( قوله أبطلت ) أي السجدة [ ص: 199 ] المقتصر عليها ( قوله لكن محله ) أي الإبطال ( قوله وكونه ) أي ما اقتصر عليه من السجدة الواحدة ولو أنث لاستغنى عن التأويل المذكور ( قوله كما مر ) أي في فصل مبطلات الصلاة ( قوله كما تقرر ) أي في قوله أما لو عرض بعد فعلها إلخ ع ش ( قوله يحمل ما نقل عن ابن الرفعة إلخ ) أي فيحمل الأول على ما لو نوى الاقتصار على سجدة ابتداء والثاني على ما لو عرض بعد فعلها ( قوله كالجلسة ) المناسب والجلسة بالعطف ( قوله في واجبات الثلاثة ومندوباتها إلخ ) كوضع الجبهة والطمأنينة والتحامل والتنكيس والافتراش في الجلوس بينهما والتورك بعدهما ويأتي بذكر سجود الصلاة فيهما قال الأذرعي وسكتوا عن الذكر بينهما والظاهر أنه كالذكر بين سجدتي صلب الصلاة مغني ونهاية ( قوله ما مر في السجدة ) أي في الاقتصار عليها .

                                                                                                                              ( قوله به ) أي بالشرط و ( قوله قبل فعله ) أي فعل أحد المذكورين سابقا من السجدة والجلوس ويجوز إرجاع الضمير للسجدة المذكورة آنفا في قوله ما مر في السجدة وكذا الضمير في قوله وفعله وقوله أثناء فعله وقوله وتركه ( قوله وإن طرأ له إلخ ) أي كأن طرأ له الرفع من السجدة قبل الطمأنينة سم ( قوله وعلى هذا الأخير ) أي الطروء .

                                                                                                                              ( قوله ما قررته ) أي في قوله أما لو عرض بعد فعلها إلخ ( قوله لكن الوجه الفرق إلخ ) وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية عبارته وفيه نزاع كسجود التلاوة والمعتمد كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وجوب النية في كل منهما أي على الإمام والمنفرد فيما يظهر لا على المأموم وهي القصد ا هـ أي قصد خصوص السهو وخصوص التلاوة بقرينة ما يأتي رشيدي وعبارة سم الوجه تخصيص وجوب نية سجود السهو بغير المأموم فلا تجب عليه ؛ لأن وجوب المتابعة يغني عنها وكنية سجود السهو نية سجود التلاوة عند من يقول بوجوبها أيضا كشيخنا الرملي فيختص وجوبها بغير المأموم لما ذكر ( فرع ) هل تجوز نية سجود السهو وإن صدر السبب عمدا بناء على أن سجود السهو صار علما في الشرع على السجود للخلل مطلقا ؟ فيه نظر ولا يبعد الجواز ما لم يقصد بالسهو حقيقته ؛ لأن ذلك تلاعب فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فإن سببها القراءة إلخ ) عبارة المغني في سجدة التلاوة نصها ونوى وجوبا ؛ لأن نية الصلاة لم تشملها كما صرحوا بذلك في ترك السجدات فقالوا لو ترك سجدة سهوا ثم سجد للتلاوة لا تكفي عنها ؛ لأن نية الصلاة لم تشملها بخلاف ما لو ترك الجلوس بين السجدتين وجلس للاستراحة فإنه يكفي ؛ لأن نية الصلاة شملته فهي كسجود السهو كذا قيل والأوجه قول ابن الرفعة ولا تجب على المصلي نيتها اتفاقا ؛ لأن نية الصلاة تنسحب عليها بواسطة وبهذا يفرق بينها وبين سجود السهو انتهى ولا ينافي ذلك ما تقدم من قولهم إن نية الصلاة لم تشملها أي بلا واسطة والسنة التي تقوم مقام الواجب ما شملته النية بلا واسطة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من هذه الحيثية ) أي من حيث إن سببها القراءة إلخ ( قوله بل لعروض القراءة ) أي قراءة آية السجدة [ ص: 200 ] قوله لأن أفعاله ) أي المأموم ( قوله وقد مر ) أي في المتن عن قريب ( قوله نيته ) أي المأموم ( له ) أي لسجود السهو ( حينئذ ) أي حين جهله بسهو الإمام ( قوله نيته بأن إلخ ) فاعل فوجبت ( قوله وبقولي عن السهو علم معنى النية ) إلى قوله قيل إلخ أنكره النهاية فقال ومن ادعى أن معنى النية المثبت إلخ فهو خطأ فاحش ا هـ قال ع ش قوله م ر ومن ادعى إلخ مراده حج وقوله فهو خطأ إلخ أي إذ يجب التعرض لخصوص السهو والتلاوة ولا يكفي مطلق السجود فيهما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وبهذا ) أي بقوله وبقولي عن السهو علم إلخ ( قوله بينهما ) أي بين سجدتي التلاوة والسهو ( قوله قال إلخ ) أي المتوهم المذكور ( قوله كما زعم ) أي المتوهم .

                                                                                                                              ( قوله بل هو صحيح ) أي قول ابن الرفعة وكذا اعتمده شيخ الإسلام والمغني كما مر ( قوله من معناها هنا ) أي معنى النية في سجدة التلاوة و ( قوله ثم ) أي في سجود السهو ( قوله ولا تبطل ) أي الصلاة ( بهذه النية ) أي نية سجود السهو أو التلاوة ( قوله بل لا وجه إلخ ) وفاقا للنهاية .




                                                                                                                              الخدمات العلمية