الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الرسوخ في اللغة الثبوت في الشيء .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الراسخ في العلم هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل اليقينية القطعية ، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية ، فإذا رأى شيئا متشابها ، ودل القطعي على أن الظاهر ليس مراد الله تعالى ، علم حينئذ قطعا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره ، وأن ذلك المراد حق ، ولا يصير كون ظاهره مردودا شبهة في الطعن في صحة القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 155 ] ثم حكى عنهم أيضا أنهم يقولون ( كل من عند ربنا ) والمعنى : أن كل واحد من المحكم والمتشابه من عند ربنا ، وفيه سؤالان :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : لو قال : كل من ربنا كان صحيحا ، فما الفائدة في لفظ ( عند ) ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب ; الإيمان بالمتشابه يحتاج فيه إلى مزيد التأكيد ، فذكر كلمة ( عند ) لمزيد التأكيد .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : لم جاز حذف المضاف إليه من ( كل ) ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : لأن دلالة المضاف عليه قوية ، فبعد الحذف الأمن من اللبس حاصل .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) وهذا ثناء من الله تعالى على الذين قالوا آمنا به ومعناه : ما يتعظ بما في القرآن إلا ذوو العقول الكاملة ، فصار هذا اللفظ كالدلالة على أنهم يستعملون عقولهم في فهم القرآن ، فيعلمون الذي يطابق ظاهره دلائل العقول فيكون محكما ، وأما الذي يخالف ظاهره دلائل العقول فيكون متشابها ، ثم يعلمون أن الكل كلام من لا يجوز في كلامه التناقض والباطل ، فيعلمون أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى ، وهذه الآية دالة على علو شأن المتكلمين الذين يبحثون عن الدلائل العقلية ، ويتوسلون بها إلى معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله ، ولا يفسرون القرآن إلا بما يطابق دلائل العقول ، ويوافق اللغة والإعراب .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الشيء كلما كان أشرف كان ضده أخس ، فكذلك مفسر القرآن متى كان موصوفا بهذه الصفة كانت درجته هذه الدرجة العظمى التي عظم الله الثناء عليه ، ومتى تكلم في القرآن من غير أن يكون متبحرا في علم الأصول ، وفي علم اللغة والنحو كان في غاية البعد عن الله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية