الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر مقتل العباس بن المأمون

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان العباس بن المأمون مع عمه المعتصم في غزاة عمورية وكان عجيف بن عنبسة قد ندمه إذ لم يأخذ الخلافة بعد أبيه المأمون حين مات بطرسوس ، ولامه على مبايعته عمه المعتصم ، ولم يزل به حتى أجابه إلى الفتك بعمه المعتصم ، وأخذ البيعة من الأمراء له ، وجهز رجلا يقال له : الحارث السمرقندي ، وكان نديما للعباس ، فأخذ له البيعة من جماعة من الأمراء في الباطن ، واستوثق منهم ، وتقدم إليهم أنه يلي متى ما فتك بعمه ، فليقتل كل واحد منهم من يقدر عليه من رءوس أصحاب المعتصم ؛ كالأفشين وأشناس وغيرهم من الكبار ، فلما كانوا بدرب الروم وهم قاصدون إلى أنقرة ومنها إلى عمورية أشار عجيف [ ص: 260 ] على العباس أن يقتل عمه في هذا المضيق ، ويأخذ له البيعة ، ويرجع إلى بغداد فقال العباس : إني أكره أن أعطل على الناس هذه الغزوة . فلما فتحوا عمورية واشتغل الناس بالمغانم أشار عليه أن يفتك ، فوعده مضيق الدرب إذا رجعوا ، فلما رجعوا فطن المعتصم بالخبر ، فأمر بالاحتفاظ وقوة الحرس ، وأخذ بالحزم واجتهد في العزم ، واستدعى بالحارث السمرقندي ، فاستقره فأقر له بجلية الأمر ، وأنه أخذ البيعة للعباس بن المأمون من جماعة من الأمراء أسماهم له ، فاستكثرهم المعتصم ، واستدعى بابن أخيه العباس بن المأمون فقيده وغضب عليه وأهانه ، ثم أظهر له أنه قد رضي عنه وعفا عنه ، فأرسله من القيد وأطلق سراحه ، فلما كان من الليل استدعاه إلى حضرته في مجلس شرابه ، واستخلاه حتى سقاه واستحكاه عن الذي كان قد دبره من الأمر ، فشرح له القضية وأنهى له القصة ، فإذا الأمر كما ذكر الحارث السمرقندي ، فلما أصبح استدعى بالحارث ، فأخلاه وسأله عن القضية ثانيا ، فذكرها له كما ذكرها أول مرة ، فقال : ويحك ، إني كنت حريصا على ذلك ، فلم أجد إلى ذلك سبيلا بصدقك إياي في هذه القصة . ثم أمر المعتصم حينئذ بابن أخيه العباس ، فقيد وسلمه إلى الأفشين وأمر بعجيف وبقية من ذكر من الأمراء ، فاحتيط عليهم وأحيط بهم ، ثم أخذ في أنواع النقمات يقترحها لهم ، فقتل كل إنسان منهم بنوع من القتلات ، ومات العباس بن المأمون بمنبج فدفن هناك ، وكان سبب [ ص: 261 ] موته أنه جاع جوعا شديدا ، ثم جيء بأكل كثير ، فأكل وطلب الماء ، فمنع منه حتى مات ، وأمر المعتصم بلعنه على المنابر ، وسماه اللعين ، وقتل جماعة من ولد المأمون أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود ، وفتحت فيها عمورية كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية