الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6693 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال قال عمرو أخبرني محمد بن علي أن حرملة مولى أسامة أخبره قال عمرو قد رأيت حرملة قال أرسلني أسامة إلى علي وقال إنه سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك فقل له يقول لك لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره فلم يعطني شيئا فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثاني قوله : سفيان ) هو ابن عيينة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال قال عمرو ) هو ابن دينار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : أخبرني محمد بن علي ) أي ابن الحسن بن علي وهو أبو جعفر الباقر ، وفي رواية محمد بن عباد عند الإسماعيلي عن سفيان " عن عمرو عن أبي جعفر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : أن حرملة قال ) في رواية محمد بن عباد " أن حرملة مولى أسامة أخبره " وحرملة هذا في الأصل مولى أسامة بن زيد ، وكان يلازم زيد بن ثابت حتى صار يقال له مولى زيد بن ثابت ، وقيل هما اثنان . وفي هذا السند ثلاثة من التابعين في نسق : عمرو وأبو جعفر وحرملة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : أن عمرو ) ابن دينار ( قال قد رأيت حرملة ) فيه إشارة إلى أن عمرا كان يمكنه الأخذ عن حرملة لكنه لم يسمع منه هذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : أرسلني أسامة ) أي من المدينة ( إلى علي ) أي بالكوفة ، لم يذكر مضمون الرسالة ولكن دل مضمون قوله " فلم يعطني شيئا " على أنه كان أرسله يسأل عليا شيئا من المال .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 73 ] قوله : وقال إنه سيسألك الآن فيقول : ما خلف صاحبك إلخ ) هذا هيأه أسامة اعتذارا عن تخلفه عن علي لعلمه أن عليا كان ينكر على من تخلف عنه ولا سيما مثل أسامة الذي هو من أهل البيت ، فاعتذر بأنه لم يتخلف ضنا منه بنفسه عن علي ولا كراهة له ، وأنه لو كان في أشد الأماكن هولا لأحب أن يكون معه فيه ويواسيه بنفسه ، ولكنه إنما تخلف لأجل كراهيته في قتل المسلمين ، وهذا معنى قوله : ولكن هذا أمر لم أره " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( لو كنت في شدق الأسد ) بكسر المعجمة ويجوز فتحها وسكون الدال المهملة بعدها قاف أي جانب فمه من داخل ، ولكل فم شدقان إليهما ينتهي شق الفم وعند مؤخرهما ينتهي الحنك الأعلى والأسفل ، ورجل أشدق واسع الشدقين ، ويتشدق في كلامه إذا فتح فمه وأكثر القول فيه واتسع فيه ، وهو كناية عن الموافقة حتى في حالة الموت ، لأن الذي يفترسه الأسد بحيث يجعله في شدقه في عداد من هلك ، ومع ذلك فقال : لو وصلت إلى هذا المقام لأحببت أن أكون معك فيه مواسيا لك بنفسي .

                                                                                                                                                                                                        ومن المناسبات اللطيفة تمثيل أسامة بشيء يتعلق بالأسد . ووقع في " تنقيح الزركشي " أن القاضي - يعني عياضا - ضبط الشدق بالذال المعجمة قال : وكلام الجوهري يقتضي أنه بالدال المهملة ، وقال لي بعض من لقيته من الأئمة : إنه غلط على القاضي ، قلت : وليس كذلك فإنه ذكره في " المشارق " في الكلام على حديث سمرة الطويل في الذي يشرشر شدقه فإنه ضبط الشدق بالذال المعجمة ، وتبعه ابن قرقول في " المطالع " . نعم هو غلط فقد ضبط في جميع كتب اللغة بالدال المهملة والله أعلم . قال ابن بطال : أرسل أسامة إلى علي يعتذر عن تخلفه عنه في حروبه ، ويعلمه أنه من أحب الناس إليه ، وأنه يحب مشاركته في السراء والضراء ، إلا أنه لا يرى قتال المسلم ، قال : والسبب في ذلك أنه لما قتل ذلك الرجل - يعني الماضي ذكره في " باب ومن أحياها " في أوائل الديات ولامه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب ذلك ، آلى على نفسه أن لا يقاتل مسلما . فذلك سبب تخلفه عن علي في الجمل وصفين . انتهى ملخصا . وقال ابن التين : إنما منع عليا أن يعطي رسول أسامة شيئا لأنه لعله سأله شيئا من مال الله فلم ير أن يعطيه لتخلفه عن القتال معه ، وأعطاه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر لأنهم كانوا يرونه واحدا منهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلسه على فخذه ويجلس الحسن على الفخذ الآخر ويقول " اللهم إني أحبهما " كما تقدم في مناقبه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فلم يعطني شيئا ) هذه الفاء هي الفصيحة والتقدير فذهبت إلى علي فبلغته ذلك فلم يعطني شيئا . ووقع في رواية ابن أبي عمر عن سفيان عند الإسماعيلي " فجئت بها - أي المقالة - فأخبرته فلم يعطني شيئا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي ) أي حملوا لي على راحلتي ما أطاقت حمله ، ولم يعين في هذه الرواية جنس ما أعطوه ولا نوعه ، والراحلة التي صلحت للركوب من الإبل ذكرا كان أو أنثى ، وأكثر ما يطلق الوقر وهو بالكسر على ما يحمل البغل والحمار ، وأما حمل البعير فيقال له الوسق ، وابن جعفر هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وصرح بذلك في رواية محمد بن عباد وابن أبي عمر المذكورة ، وكأنهم لما علموا أن عليا لم يعطه شيئا عوضوه من أموالهم من ثياب ونحوها قدر ما تحمله راحلته التي هو راكبها .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية