الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        718 679 - وذكر عن نافع ; أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم . فقال عمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال طلحة : يا أمير المؤمنين . إنما هو مدر . فقال عمر : إنكم أيها الرهط أئمة [ ص: 37 ] يقتدي بكم الناس . فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب ، لقال : إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام . فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة .

                                                                                                                        680 - وذكر عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ; أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات وهي محرمة ، ليس فيها زعفران .

                                                                                                                        15318 - وسئل مالك عن ثوب مسه طيب ، ثم ذهب منه ريح الطيب ، هل يحرم فيه ؟ فقال : نعم . ما لم يكن فيه صباغ : زعفران أو ورس .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        15319 - قال أبو عمر : الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم على ما في حديث ابن عمر هذا .

                                                                                                                        15320 - والورس نبات يكون باليمن صبغه ما بين الصفرة والحمرة ، ورائحته طيبة فإن غسل ذلك الثوب حتى يذهب ريح الزعفران منه وخرج عنه فلا بأس به عند جميعهم أيضا .

                                                                                                                        15321 - وكان مالك - فيما ذكره ابن القاسم عنه - : يكره الثوب الغسيل من الزعفران والورس إذا بقي فيه من لونه شيء . وقال : لا يلبسه المحرم وإن غسله إذا [ ص: 38 ] بقي فيه شيء من لونه إلا أن لا يجد غيره فإن لم يجد غيره صبغه بالمشق وأحرم فيه .

                                                                                                                        15322 - قال أبو عمر : انفرد يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي معاوية ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ، قال فيه : ولا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلا .

                                                                                                                        15323 - وذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران ، قال : رأيت يحيى بن سعيد وهو يتعجب من الحماني كيف يحدث بهذا الحديث ، فقال عبد الرحمن بن مهدي : هذا عندي . ثم وثب من فوره فجاء بأصله ، فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية هذا كما قال الحماني .

                                                                                                                        15324 - واختلفوا في العصفر ، فجملة مذهب مالك أن العصفر ليس بطيب ، ويكره للحاج استعمال الثوب الذي ينتفض في جلده ، فإن فعل فقد أساء ولا [ ص: 39 ] فدية عليه .

                                                                                                                        14325 - وهو قول الشافعي .

                                                                                                                        15326 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : العصفر طيب ، وفيه الفدية على من استعمل شيئا منه في اللباس وغيره إذا كان محرما .

                                                                                                                        15327 - وقال أبو ثور كقول أبي حنيفة إلا في المعصفر إنه قال : إن لبسه المحرم فقد أساء ولا شيء عليه .

                                                                                                                        15328 - قال : وإنما كرهناه ; لأن النبي - عليه السلام - نهى عن لبسه ، لأنه طيب .

                                                                                                                        15329 - قال أبو عمر : النهي عن لبس المعصفر محفوظ في حديث علي بن أبي طالب من حديث مالك عن نافع ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس القسي ، وعن لبس المعصفر . . ، الحديث .

                                                                                                                        15330 - وأما إنكار عمر على طلحة لباسه المصبغ بالمدر فإنما كرهه من طريق رفع الشبهات ; لأنه صبغ لا يختلف العلماء في جوازه ، وإنما كره أن تدخل الداخلة على من نظر إليه فظنه صبغا فيه طيب ، وللأئمة الاجتهاد في قطع الذرائع .

                                                                                                                        [ ص: 40 ] 15331 - وفيه شهادة عمر بأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم أئمة .

                                                                                                                        15332 - روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي أن عمر بن الخطاب أبصر على عبد الله بن جعفر ثوبين مدرجين وهو محرم ; فقال عمر : ما هذا ؟ فقال علي : ما أخال أحدا يعلمنا السنة . فسكت عمر .

                                                                                                                        15333 - وأما رواية مالك عن هشام بن عمرو ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر فلم يتابعه أحد ، والله أعلم ، على قوله " عن أبيه " من أصحابه في هذا الحديث عن هشام بن عروة وإنما يروونه عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء .

                                                                                                                        15334 - وأما لباس أسماء للمعصفرات فلا خلاف للعلماء في أن الرجال والنساء في الطيب سواء ، واختلافهم في المعصفر هل هو طيب أم لا ؟ فقد اختلف ، وسيأتي ذكر الطيب في بابه إن شاء الله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية