الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2973 49 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه ، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت فأرسلني ، فلحقت عمر بن الخطاب ، فقلت : ما بال الناس ؟ قال : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، فقمت فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، فقمت فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال الثالثة مثله ، فقال رجل : صدق يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلبه عندي فأرضه عني ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لا ها الله ، إذا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يعطيك سلبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق . فأعطاه ، فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن السلب الذي أخذه أبو قتادة لم يخمس ، وهذا الإسناد بعينه قد ذكر في كتاب البيوع في باب بيع السلاح في الفتنة فإنه أخرجه هناك مختصرا .

                                                                                                                                                                                  ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أفلح هو عمرو بن كثير بن أفلح ، وأبو محمد هو نافع مولى أبي قتادة ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري .

                                                                                                                                                                                  وقد مر الكلام فيه هناك ومن أخرجه غيره ولطائف إسناده .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه قوله " عام حنين " ، وكان في السنة الثامنة من الهجرة ، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو منصرف ، قوله " جولة " أي بالجيم أي دوران واضطراب من جال يجول إذا دار ، قوله " فاستدرت " من الدوران ، هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية الأكثرين : فاستدبرت ، من الاستدبار .

                                                                                                                                                                                  قوله " على حبل عاتقه " وهو موضع الرداء من العنق ، وقيل : ما بين العنق والمنكب ، وقيل : هو عرق أو عصب هناك ، قوله " ما بال الناس " أي ما حال الناس منهزمين ، قوله " قال أمر الله " أي قال عمر : جاء أمر الله تعالى ، ويقال : معناه ما حالهم بعد الانهزام ؟ فقال : أمر الله غالب والعاقبة للمتقين .

                                                                                                                                                                                  قوله " رجعوا " أي بعد الانهزام ، قوله " لا ها الله إذا " كذا الرواية بالتنوين ، قال الخطابي : والصواب فيه " لا ها الله ذا " بغير ألف قبل الذال ، ومعناه : لا والله ، يجعلون الهاء مكان الواو بمعنى والله لا يكون ذا .

                                                                                                                                                                                  وقال المازري : معناه لا ها الله ذا يميني أو قسمي ، وقال أبو زيد : ذا زائدة ، وفي هذا لغتان المد والقصر ، قالوا : ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو ، وقالوا : ولا يجوز الجمع بينهما فلا يقال لا ها والله ، وقال أبو عثمان المازني : [ ص: 69 ] من قال : " لا ها الله إذا " فقد أخطأ إنما هو " لا ها الله ذا " ، وقال الجوهري : ها للتنبيه ، وقد يقسم بها يقال : لا ها الله ما فعلت ، وقولهم " لا ها الله ذا " أن أصله لا والله هذا ، ففرقت بين ها وذا ، وتقديره لا والله ما فعلت هذا .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : المعنى صحيح على لفظ " إذا " يعني بالتنوين جوابا وجزاء ، وتقديره لا والله إذا صدق لا يكون أو لا يعمد ، ويروى برفع الله مبتدأ و " ها " للتنبيه ، و " لا يعمد " خبره قوله " يعمد " بالياء آخر الحروف وبالنون أيضا ، وكذلك يعطيك بالياء والنون أي لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل كالأسد يقاتل عن جهة الله ورسوله نصرة في الدين فيأخذ حقه ، قوله " يعطيك " أي لا يعطيك أيها الرجل المسترضي حق أبي قتادة ، لا والله كيف وهو أسد الله ؟

                                                                                                                                                                                  قوله " إلى أسد من أسد الله " الأول بفتحتين مفرد والثاني بضم الهمزة وسكون السين جمع أسد ، قوله " فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : صدق ، أي أبو بكر ، قوله " فأعطاه " أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الدرع .

                                                                                                                                                                                  ومقتضى الظاهر أن يقول : فأعطاني ، فعدل إلى الغيبة التفاتا أو تجريدا وهو مفعول ثان والأول محذوف ، وإنما أعطاه بلا بينة لأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعله علم أنه القاتل بطريق من الطرق ، ولا يقال : إن أبا قتادة استحق السلب بإقرار من هو في يده لأن المال كان منسوبا إلى الجيش جميعهم فلا اعتبار لإقراره ، قوله " فابتعت به مخرفا " أي اشتريت بالدرع أي بثمنه إن كان باعه ، والمخرف بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء بعدها فاء وهو البستان ، وقيل : الحائط من النخل يخرف فيه الرطب أي يجتنى ، قوله " في بني سلمة " بكسر اللام ، قوله " تأثلته " أي جمعته وهو من باب التفعل فيه معنى التكلف مأخوذ من الأثلة وهو الأصل أي اتخذته أصلا للمال ، ومادته همزة وثاء مثلثة ولام ، يقال : مال مؤثل ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) احتج به من قال إن السلب من رأس الغنيمة لا من الخمس لأن إعطاءه صلى الله عليه وسلم أبا قتادة كان قبل القسمة لأنه نقله حين برد القتال ، وأجاب أصحابنا ومالك عنه ، فقال : هذا حجة لنا لأنه إنما قال ذلك بعد تقضي الحرب وقد حيزت الغنائم ، وهذه حالة قد سبق فيها مقدار حق الغانمين وهو الأربعة الأخماس على ما أوجبها الله لهم ، فينبغي أن يكون من الخمس .

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي : هذا الحديث أدل دليل على صحة مذهب مالك وأبي حنيفة ، وزعم من خالفنا أن هذا الحديث منسوخ بما قاله يوم حنين ، وهو فاسد لوجهين : الأول : أن الجمع بينهما ممكن فلا نسخ ، الثاني : روى أهل السير وغيرهم أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال يوم بدر : من قتل قتيلا فله سلبه كما قاله يوم حنين .

                                                                                                                                                                                  وغايته أن يكون من باب تخصيص العموم ، وفيه أن " لا ها الله " يمين ، ولكنهم قالوا : إنه كناية إن نوى بها اليمين كانت يمينا وإلا فلا ، قلت : ظاهر الحديث يدل على أنه يمين ، وفيه جواز كلام الوزير ورد مسائل الأمير قبل أن يعلم جواب الأمير كما فعله أبو بكر رضي الله تعالى عنه حين قال : " لا ها الله " ، وفيه إذا ادعى رجل أنه قتل رجلا بعينه وادعى سلبه هل يعطى له ؟ فقالت طائفة : لا بد من البينة ، فإن أصاب أحدا فلا بد أن يحلف معه ويأخذه .

                                                                                                                                                                                  واحتجوا بظاهر هذا الحديث ، وبه قال الليث والشافعي وجماعة من أهل الحديث .

                                                                                                                                                                                  وقال الأوزاعي : لا يحتاج إليها ويعطى بقوله ، وفيه من استدل به على دخول من لا سهم له في عموم قوله " من قتل قتيلا " ، وعن الشافعي : لا يستحق السلب إلا من استحق السهم ، وبه قال مالك لأنه إذا لم يستحق السهم ، فلأن لا يستحق السلب بالطريق الأولى ورد بأن السهم علق على المظنة ، والسلب يستحق بالفعل فهو أولى وهذا هو الأصح .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن السلب مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من وقف عليه .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن السلب مستحق للقاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول امرأة ، وبه قال أبو ثور وابن المنذر ، وقال الجمهور : شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن قدامة : ويجوز أن يسلب القتلى ويتركهم عراة . قاله الأوزاعي ، وكرهه الثوري وابن المنذر .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية