الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  289 ( قال أبو عبد الله : الغسل أحوط ، وذاك الآخر ، وإنما بينا لاختلافهم ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  فاعل " قال " محذوف هو الراوي عن البخاري وأبو عبد الله هو كنية البخاري . قوله : " الغسل أحوط مقول القول " ، أي : الاغتسال من الجماع بغير إنزال أحوط ، أي : أكثر احتياطا في أمر الدين ، وأشار بقوله وذلك الأخير إلى أن هذا الحديث الذي في الباب غير منسوخ ، أي : آخر الأمرين من الشارع . وقوله : " الأخير " على وزن فعيل ، وهو رواية أبي ذر ، وفي رواية غيره وذلك الآخر بالمد بغير ياء ، وقال ابن التين ضبطناه بفتح الهاء . قوله : " إنما بينا لاختلافهم " ، وفي رواية كريمة : إنما بينا اختلافهم . وفي رواية الأصيلي : إنما بيناه لاختلافهم ، أي : لأجل اختلاف الصحابة في الوجوب وعدمه ، أو لاختلاف المحدثين في صحته وعدمها ، وقد خبط ابن العربي على البخاري لمخالفته في هذا الجمهور ، فإن إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم ، وما خالف إلا داود ولا عبرة بخلافه ، وكيف يحكم باستحباب الغسل ، وهو أحد أئمة الدين ومن أجلة علماء المسلمين ، ثم قال : ويحتمل أن يكون مراده بقوله : الغسل أحوط ، أي : في الدين ، وهو باب مشهور في أصول الدين ، ثم قال ، وهو الأشبه بإمامته وعلمه . قال بعضهم : قلت : وهذا هو الظاهر من تصرفه ، فإنه لم يترجم بجواز ترك الغسل ، وإنما ترجم ببعض ما يستفاد من الحديث بغير هذه المسألة . قلت : من ترجمته يفهم جواز ترك الغسل ; لأنه اقتصر على غسل ما يصيب الرجل من المرأة ، وأنه هو الواجب ، والغسل غير واجب ، ولكنه مستحب للاحتياط . وأما قول ابن العربي : أطبق عليه الصحابة ففيه نظر ; فإن الخلاف مشهور في الصحابة ، ثبت عن جماعة منهم ، كذا قال بعضهم . قلت : لقائل أن يقول : انعقد الإجماع عليه فارتفع الخلاف بيانه ما رواه الطحاوي ، حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني معمر بن أبي حبيبة بضم الحاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف المكررة ، فهي حبيبة بنت مرة بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن شعيب ، قاله الزبير ، وقال ابن ماكولا ومن قال : فيه ابن أبي حبيبة فقد غلط ، ومعمر هذا يروي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، قال : تذاكر أصحاب [ ص: 254 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة ، فقال بعضهم : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، وقال بعضهم : الماء من الماء ، فقال عمر : قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار ، فكيف بالناس بعدكم ؟ فقال علي بن أبي طالب : يا أمير المؤمنين ، إن أردت أن تعلم ذلك فأرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاسألهن عن ذلك ، فأرسل إلى عائشة ، فقالت : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، فقال عمر عند ذلك : لا أسمع أحدا يقول : الماء من الماء إلا جعلته نكالا . قال الطحاوي : فهذا عمر قد حمل الناس على هذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكر ذلك عليه منكر ، وادعى ابن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين . وفيه : نظر ; لأن الخطابي ، قال : قال به جماعة من الصحابة ، فسمى بعضهم ، ومن التابعين الأعمش ، وتبعه القاضي عياض ، ولكنه قال : لم يقل به أحد من بعد أصحابه غيره . وفيه نظر ; لأنه قد ثبت ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وهو في ( سنن أبي داود ) بإسناد صحيح : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الماء من الماء ، وكان أبو سلمة يفعل ذلك . وعند هشام بن عروة عن عبد الرزاق ، وعنده أيضا عن أبي جريح عن عطاء ، أنه قال : لا تطيب نفسي حتى أغتسل من أجل اختلاف الناس لآخذ بالعروة الوثقى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية