الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1419 [ 719 ] وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت ، غفر له ما بينه وبين الجمعة ، وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مس الحصى فقد لغا .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 380)، ومسلم (857) (27)، وأبو داود (1050)، والترمذي (498)، وابن ماجه (1090) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام : زيادة الثلاثة لتكمل عشرة أيام بالتضعيف ; حتى تكون الحسنة بعشر أمثالها ; كما قال تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [ الأنعام :160 ]

                                                                                              وقوله : ومن مس الحصى فقد لغا ; أي : قد أتى لغوا من الفعل أو القول . قال الهروي : تكلم بما لا يجوز له ، وقيل : لغا عن الصواب ; أي : مال عنه . وقال النضر بن شميل : خاب ، ألغيته : خيبته . قال ابن عرفة : اللغو : الشيء المسقط ; أي : الملغى . يقال : لغا يلغو ، ولغي يلغى .

                                                                                              وفي هذا الحديث ما يدل على وجوب الإقبال على استماع الخطبة ، والتجرد لذلك ، والإعراض عن كل ما يشغل عنها ; ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث [ ص: 488 ] الآخر : من قال لصاحبه أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب ; فقد لغا ، وهو حجة على وجوب الإنصات للخطبة على من كان مستمعا ، وهو مذهب الجمهور . وذكر عن الشعبي والنخعي وبعض السلف أنه ليس بواجب إلا عند تلاوة القرآن ، وهذه الأحاديث حجة عليهم . واختلف الجمهور فيمن لا يسمع الخطبة : هل يلزمه الإنصات أو لا ؟ فأكثرهم : على أن ذلك لازم . وقال أحمد والشافعي في أحد قوليه : إنما يلزم من يسمع ، ونحوه عن النخعي . فلو لغا الإمام ، هل يلزم الإنصات أم لا ؟ قولان لأهل العلم ، ولمالك .

                                                                                              وقوله : والإمام يخطب ; حجة لعامة العلماء : على أنه إنما يجب الإنصات عند شروع الإمام في الخطبة . وذهب أبو حنيفة : إلى أن الإنصات يجب بخروج الإمام .

                                                                                              والبدنة : ما يهدى إلى الكعبة من الإبل ; لأنها تبدن ; أي : تسمن . والبدانة : السمن ، وعظم البدن . وتفريقه بين البدنة والبقرة يدل على أن البقر لا يقال عليها بدن ، وهو مذهب عطاء . ومالك يرى أن البقر من البدن . وفائدة هذا الخلاف فيمن نذر بدنة ، أو وجبت عليه فلم يجد البدنة ، أو لم يقدر عليها وقدر على البقرة ، فهل تجزئه أم لا ؟ فعلى مذهب عطاء : لا ، وعلى مذهب مالك : نعم . وظاهر هذا الحديث يدل على أن الأفضل في الهدايا الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم ، وهذا الترتيب لا خلاف فيه في الهدايا ، وإنما اختلفوا في ترتيب الأفضل في الضحايا ، فذهب الجمهور إلى أن الضحايا مثل الهدايا . وذهب مالك إلى أن [ ص: 489 ] الغنم أفضل ، ثم البقر ، ثم الإبل ; نظرا إلى طيب لحومها ، وإلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بالغنم دائما . وإطلاق اسم الهدي على الدجاجة والبيضة مجاز ، قصد به تمثيل مقدار أجور المبكرين للجمعة ; لأن الهدي إنما هو من النعم ; كما قال تعالى : فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة [ المائدة :95 ] وإنما أطلق اسم الهدي على هذين ; لمقابلته ما يهدى من الإبل والبقر والغنم . وقد جاء في الرواية الأخرى : قرب مكان أهدى ، وهو لفظ ينطلق على الهدي وغيره .




                                                                                              الخدمات العلمية