الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  أصناف الحلال ومداخله :

                                                                  اعلم أن تفصيل الحلال والحرام إنما يتولى بيانه كتب الفقه ، ويستغني المريد عن تطويله بأن يكون له طعمة معينة يعرف بالفتوى حلها وكان لا يأكل من غيرها ، فأما من يتوسع في الأكل من وجوه متفرقة فيفتقر إلى علم الحلال والحرام كله ، ونحن الآن نشير إلى مجامعه في سياق يقسم ، وذلك أن المال إنما يحرم إما لمعنى في عينه ، أو لخلل في جهة اكتسابه .

                                                                  القسم الأول :

                                                                  الحرام لصفة في عينه كالخمر والخنزير وغيرهما .

                                                                  وتفصيله أن الأعيان المأكولة على وجه الأرض لا تعدو ثلاثة أقسام ، فإنها إما أن تكون من المعادن كالملح والطين وغيرهما ، أو من النبات ، أو من الحيوانات .

                                                                  فأما المعادن فهي أجزاء الأرض وجميع ما يخرج منها فلا يحرم أكله إلا من حيث أنه يضر بالآكل أو في بعضها ما يجري مجرى السم ، والخبز لو كان مضرا لحرم أكله ، والطين الذي يعتاد أكله لا يحرم إلا من حيث الضرر .

                                                                  وأما النبات :

                                                                  فلا يحرم منه إلا ما يزيل العقل ويزيل الحياة أو الصحة ، فمزيل العقل : البنج والخمر وسائر المسكرات ، ومزيل الحياة : السموم ، ومزيل الصحة : الأدوية في غير وقتها .

                                                                  وكأن مجموع هذا يرجع إلى الضرر إلا الخمر والمسكرات فإن الذي لا يسكر منها أيضا حرام مع قلته .

                                                                  وأما الحيوانات :

                                                                  فتنقسم إلى ما يؤكل وإلى ما لا يؤكل ، وتفصيله في كتب الفقه . وما يحل أكله فإنما يحل إذا ذبح ذبحا شرعيا روعي فيه شروط الذابح والآلة والمذبح على ما يذكر في كتب الفقه ، وما لم يذبح ذبحا شرعيا أو مات فهو حرام .

                                                                  ولا يحل إلا ميتتان السمك والجراد .

                                                                  القسم الثاني : ما يحرم لخلل في جهة إثبات اليد عليه ، ويتحصل منه أقسام :

                                                                  الأول : ما يؤخذ من غير مالك كنيل المعادن وإحياء الموات والاصطياد والاحتطاب والاستقاء من الأنهار والاحتشاش فهذا حلال ، وشرطه أن لا يكون المأخوذ مختصا بذي حرمة من الآدميين .

                                                                  الثاني : المأخوذ قهرا ممن لا حرمة له وهو الفيء والغنيمة وسائر أملاك الكفار [ ص: 121 ] المحاربين ، وذلك حلال للمسلمين إذا أخرجوا منها الخمس وقسموها بين المستحقين بالعدل ولم يأخذوها من كافر له حرمة وأمان وعهد .

                                                                  الثالث : ما يؤخذ تراضيا بمعاوضة وذلك حلال إذا روعي فيه الشروط المصححة مع ما تعبد الشرع به من اجتناب الشروط المفسدة .

                                                                  الرابع : ما يحصل بغير اختيار كالميراث وهو حلال إذا كان الموروث قد اكتسب من وجه حلال ، ثم كان ذلك بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا وتعديل القسمة بين الورثة وإخراج الحج والزكاة والكفارات إن كان واجبا .

                                                                  وبقي أقسام أخر ونحن أشرنا إلى جملتها ليعلم المريد أن كل ما يأكلها من جهتها ينبغي أن يستفتي فيه أهل العلم ولا يقدم عليه بالجهل ، فإنه كما يقال للعالم : " لم خالفت علمك " ؟ يقال للجاهل : لم لازمت جهلك ولم تتعلم بعد أن قيل لك : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية