الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                44 ص: فإن قال قائل: فإنا قد رأينا الإناء يغسل، فلم لا كانت البئر كذلك؟ قيل له: إن البئر لا يستطاع غسلها; لأن ما يغسل به يرجع فيها وليست كالإناء الذي يهراق منه ما يغسل به، فلما كانت البئر مما لا يستطاع غسلها وقد ثبت طهارتها في حال ما، وكان كل من أوجب نجاستها بوقوع النجاسة فيها فقد أوجب طهارتها بنزحها، ، وإن لم ينزح ما فيها من طين، فلما كان بقاء طينها فيها لا يوجب نجاسة ما يطرأ فيها من الماء وإن كان يجري على ذلك الطين; كان إذا ماس حيطانها أحرى ألا تنجس، ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما طهرت حتى تغسل حيطانها ويخرج طينها ويحفر، فلما أجمعوا أن نزح طينها وحفرها غير واجب ، كان غسل حيطانها أحرى ألا يكون واجبا، وهذا كله قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال قد نشأ من وجه قياس عدم وجوب طم البئر النجسة على عدم وجوب كسر الإناء النجس، بيانه أنكم لما أوجبتم غسل الإناء النجس ولم توجبوا كسره حيث قلتم: أمر رسول الله - عليه السلام - بغسله ولم يأمر بكسره والحال أنه قد تشرب من الماء النجس وقستم البئر النجسة عليه حيث حكمتم بطهارتها بالنزح ولم تحكموا بالطم والحال أن حيطانها قد تشربت من الماء النجس، فلم ما حكمتم بغسل حيطانها قياسا على الإناء؟! والجواب ظاهر.

                                                قوله: "وقد ثبت طهارتها في حال ما ... " إلى آخره جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال: سلمنا أن غسل البئر متعسر غير مستطاع ولكن إخراج الطين غير متعسر فكان ينبغي أن يجب ذلك.

                                                [ ص: 142 ] فأجاب بقوله: "وقد ثبت طهارتها" أي طهارة البئر "في حال ما" أي في حال من الأحوال وهي حالة النزح; لأن نزح ماء البئر كالجريان في غيرها فكما تثبت الطهارة في الماء الجاري بجريانه وإن وقعت فيه نجاسة فكذلك البئر تثبت لها طهارة بالنزح، فحينئذ كل من كان أوجب نجاستها بوقوعها فيها فقد أوجب طهارتها بواسطة ذلك النزح وإن لم ينزح ما فيها من طين وحمأة كما في قضية زمزم حيث حكم ابن الزبير وابن عباس بعد نزح مائها كلها بطهارتها ولم يحكما بنزح طينها وحمأتها، ثم لما كان بقاء طينها فيها لا يوجب نجاسة ما ينبع فيها من الماء الجديد بعد النزح وقلع الماء النجس وإن كان ذلك الماء الجديد يجري على ذلك الطين كان إذا ماس حيطانها أحرى وأولى ألا ينجس.

                                                قوله: "إذا ماس" بتشديد السين وأصله ماسس؛ لأنه من باب المفاعلة الذي فيه الاشتراكة بين اثنين، وثلاثيه "مس" فلما نقل إلى باب المفاعلة لذلك المعنى أدغمت السين في السين، ومضارعه يماس مماسة ومساسا كما تقول: ماد يماد مماددة ومدادا.

                                                قوله: "أحرى" بمعنى "أولى" ومنه يقال: هو حرى أن يفعل ذلك -بفتح الراء- أي خليق وجدير، لا يثنى ولا يجمع، وإذا قلت: هو حري -بكسر الراء على وزن فعيل- يثنى، ويجمع ويذكر ويؤنث، تقول: هما حريان، وهم حريون وأحرياء، وهي حرية، وهن حريات وحرايا.

                                                قوله: "ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر" أي ولو كان الحكم بطهارة البئر النجسة بعد إخراج مائها مأخوذا من طريق القياس ... إلى آخره.

                                                وعن هذا قال أصحابنا: إذا طهرت البئر يطهر طينها وحمأتها ودلوها ورشاها.




                                                الخدمات العلمية