الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ؛ المعنى: (قول معروف أولى) ، ثم ابتدأ فقال: ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى أي: وفعل مغفرة; يعني: وفعل يؤدي إلى المغفرة، فحذف المضاف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ومغفرة الله خير من صدقتكم التي تمنون بها.

                                                                                                                                                                                                                                      والله غني حليم أي: يملك كل شيء، ويحلم بتأخير العقوبة عمن عصاه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس أي: [كإبطال الذي ينفق.

                                                                                                                                                                                                                                      ماله رئاء الناس ]: صدقته بالرياء، والمراد به: المنافق; لأن الكافر لا يرائي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد به: الكافر الذي ينفق ماله ليقال: إنه كريم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 574 ] كمثل صفوان عليه تراب : (الصفوان) : الحجر الأملس، واحدته: صفوانة.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي : جمع {صفوان} : (صفي) ، وأنكره المبرد، وقال: إنما (صفي) جمع: (صفا) ؛ كـ (قفا وقفي) .

                                                                                                                                                                                                                                      و(الوابل) : المطر العظيم، الشديد الوقع.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الصلد) : الأملس من الحجارة، فالمعنى: تركه لا شيء عليه، وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفقة المنافق.

                                                                                                                                                                                                                                      لا يقدرون على شيء مما كسبوا أي: لا يقدرون عليه عند حاجتهم إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وتثبيتا من أنفسهم أي: يتثبتون أين يضعونها، الشعبي : تصديقا ويقينا.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الربوة) : ما ارتفع من الأرض، عن ابن عباس، مجاهد : المرتفعة المستوية.

                                                                                                                                                                                                                                      فآتت أكلها ضعفين أي: أضعفت في ثمرها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : هذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المؤمن; يقول: ليس لخيره خلف، كما ليس لخير هذه الجنة خلف، أصابها وابل أو طل.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الطل) : الندى في قول مجاهد، وقيل: المطر الدائم الصغير، ومعنى {فطل} : أي: فالطل يكفيها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 575 ] قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هذا الرجل كان يعمل بطاعة الله فبعث الله إليه الشيطان، فعمل بالمعاصي، وأحرق الأعمال الصالحة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : هذا مثل ضربه الله للمرائين بالأعمال يبطلها يوم القيامة أحوج ما كانوا إليها، كمثل رجل كانت له جنة، وله أطفال لا ينفعونه، فكبر، وأصاب الجنة إعصار; أي: ريح عاصف فيه نار; أي: سموم شديدة، فاحترقت، ففقدها أحوج ما كان إليها.

                                                                                                                                                                                                                                      وعطف {وأصابه} على {أيود} على معنى: وقد أصابه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : إعصار فيه نار أي: ريح فيها برد شديد.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الإعصار) في اللغة: الريح الشديد التي تمد من الأرض إلى السماء كالعمود، وهي التي يقال لها: الزوبعة، وقيل لها: إعصار; لأنها تلتف التفاف الثوب في العصر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض قد تقدم في الأحكام.

                                                                                                                                                                                                                                      الشيطان يعدكم الفقر أي: يخوفكم بالفقر; لئلا تنفقوا، ولتخرجوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويأمركم بالفحشاء أي: بمعاصي الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 576 ] والله يعدكم مغفرة منه وفضلا أي: يجازيكم على الصدقات بمغفرة الذنوب والخلف.

                                                                                                                                                                                                                                      واشتقاق {الفقر} من (الفقار) ، فكأن الفقير بمنزلة من كسر فقاره.

                                                                                                                                                                                                                                      يؤتي الحكمة من يشاء : ابن عباس : {الحكمة} : المعرفة بالقرآن; ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : الفهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      مالك بن أنس : المعرفة بدين الله عز وجل، والفقه فيه، والاتباع له.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : {الحكمة} : العقل، والفقه، والإصابة في القول.

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن أنس : الخشية.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر قال الزجاج : (النفقة) : الفرض، و(النذر) : التطوع، فإن الله يعلمه أي: يجازي عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ما أنفقتم بغير نذر، أو بنذر عقدتموه على أنفسكم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : معنى {يعلمه} : يحصيه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 577 ] و(الهاء) في {يعلمه} تعود على الإنفاق، أو على النذر.

                                                                                                                                                                                                                                      إن تبدوا الصدقات فنعما هي قال ابن عباس : يعني: التطوع، وصدقة التطوع في السر أفضل من العلانية بسبعين ضعفا، وصدقة الفريضة في العلانية أفضل من السر بخمسة وعشرين ضعفا، وعلى هذا القياس تجري جميع الفرائض والنوافل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد بذلك: الفرض والنافلة، وكان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووجب إظهار الفرض اليوم; لأن الناس يسيئون الظن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويكفر عنكم من سيئاتكم أي: نكفر عنكم منها بقدر صدقاتكم، وقيل: {من} زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية