الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : أخبرنا ابن أبي سبرة ، عن يحيى بن شبل ، عن خفاف بن إيماء قال : كان أبو ذر رجلا يصيب ، وكان شجاعا ، ينفرد وحده يقطع الطريق ، ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو قدميه ، كأنه السبع ، فيطرق الحي ، ويأخذ ما أخذ ، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام ، وسمع مقالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يومئذ يدعو مختفيا ، فأقبل يسأل عنه .

                                                                                      وعن أبي معشر السندي : كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ، ويوحد ، ولا يعبد الأصنام .

                                                                                      النضر بن محمد ، أخبرنا عكرمة بن عمار : أخبرنا أبو زميل ، عن مالك بن مرثد ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال : كنت رابع الإسلام ، أسلم قبلي ثلاثة ، فأتيت نبي الله ، فقلت : سلام عليك يا نبي الله . وأسلمت ، فرأيت الاستبشار في وجهه ، فقال : من أنت ؟ قلت : جندب ، رجل من غفار .

                                                                                      قال : فرأيتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان فيهم من يسرق الحاج
                                                                                      .

                                                                                      [ ص: 56 ] وعن محفوظ بن علقمة ، عن ابن عائذ ، عن جبير بن نفير ، قال : كان أبو ذر وعمرو بن عبسة ، كل منهما يقول : أنا ربع الإسلام .

                                                                                      قال الواقدي : كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر .

                                                                                      وكان يقول : أبطأت في غزوة تبوك ، من عجف بعيري .

                                                                                      ابن إسحاق : حدثني بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن مسعود ، قال : لما سار رسول الله إلى تبوك ، جعل لا يزال يتخلف الرجل ، فيقولون : يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، إن يكن فيه خير فسيلحقكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه . حتى قيل : يا رسول الله ، تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره .

                                                                                      قال : وتلوم بعير أبي ذر ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه ، فجعله على ظهره ، وخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظر ناظر ، فقال : إن هذا لرجل يمشي على الطريق ، فقال رسول الله : كن أبا ذر ، فلما تأمله القوم ، قالوا : هو والله أبو ذر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده . [ ص: 57 ]

                                                                                      فضرب الدهر من ضربه وسير أبو ذر إلى الربذة ، فلما حضرته الوفاة ، أوصى امرأته وغلامه ، فقال : إذا مت فاغسلاني وكفناني ، وضعاني على الطريق ، فأول ركب يمرون بكم فقولا : هذا أبو ذر .

                                                                                      فلما مات فعلا به ذلك ، فاطلع ركب ، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ السرير ، فإذا عبد الله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة ، فقال : ما هذا ؟ قيل : جنازة أبي ذر ، فاستهل ابن مسعود يبكي ، وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .

                                                                                      فنزل فوليه بنفسه ، حتى أجنه
                                                                                      .

                                                                                      شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن كليب بن شهاب : سمعت أبا ذر يقول : ما تؤيسني رقة عظمي ، ولا بياض شعري ، أن ألقى عيسى ابن مريم .

                                                                                      وعن ابن سيرين : سألت ابن أخت لأبي ذر : ما ترك أبو ذر ؟ قال : ترك أتانين ، وحمارا ، وأعنزا ، وركائب .

                                                                                      يحيى بن سعيد الأنصاري : أخبرنا الحارث بن يزيد الحضرمي : أن أبا ذر سأل رسول الله الإمرة ، فقال : إنك ضعيف ، وإنها خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها . [ ص: 58 ]

                                                                                      أبو بكر بن أبي مريم ، عن حبيب بن عبيد ، عن غضيف بن الحارث ، عن أبي الدرداء ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر ، ويتفقده إذا غاب .

                                                                                      فضيل بن مرزوق ، حدثتني جبلة بنت مصفح ، عن حاطب : قال أبو ذر : ما ترك رسول الله شيئا مما صبه جبريل وميكائيل في صدره ، إلا قد صبه في صدري ، ولا تركت شيئا مما صبه في صدري إلا قد صببته في صدر مالك بن ضمرة .

                                                                                      هذا منكر .

                                                                                      عبد الرحمن بن أبي الرجال : أخبرنا عمر مولى غفرة ، عن ابن كعب ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أوصاني بخمس : أرحم المساكين وأجالسهم ، وأنظر إلى من تحتي ولا أنظر إلى من فوقي ، وأن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأن أقول الحق وإن كان مرا ، وأن أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . [ ص: 59 ]

                                                                                      الأعمش ، عن عثمان بن عمير ، عن أبي حرب بن أبي الأسود : سمعت عبد الله بن عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر .

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن بلال بن أبي الدرداء ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : مثله . وجاء نحوه لجابر ، وأبي هريرة .

                                                                                      أبو أمية بن يعلى - وهو واه - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم ، فلينظر إلى أبي ذر .

                                                                                      سلام بن مسكين : أخبرنا مالك بن دينار : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيكم يلقاني على الحال الذي أفارقه عليه ؟ فقال أبو ذر : أنا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ؛ من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى أبي ذر . [ ص: 60 ]

                                                                                      حجاج بن محمد ، عن ابن جريج : أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه . ثم قال ابن جريج ، ورجل عن زاذان ، قالا : سئل علي عن أبي ذر ؛ فقال : وعى علما عجز عنه ، وكان شحيحا على دينه ، حريصا على العلم ، يكثر السؤال ، وعجز عن كشف ما عنده من العلم .

                                                                                      سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال : أخبرنا عبد الله بن الصامت ، قال : دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من باب لا يدخل عليه منه - قال : وتخوفنا عثمان عليه - فانتهى إليه ، فسلم ، ثم ما بدأه بشيء إلا أن قال : أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين ؟ والله ما أنا منهم ولا أدركهم . ثم استأذنه إلى الربذة .

                                                                                      يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي إدريس ، عن المسيب بن نجبة ، عن علي ، أنه قيل له : حدثنا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، حدثنا عن أبي ذر . قال : علم العلم ، ثم أوكى ، فربط عليه رباطا شديدا .

                                                                                      أبو إسحاق ، عن هانئ بن هانئ : سمع عليا يقول : أبو ذر وعاء ملئ علما ، أوكى عليه ، فلم يخرج منه شيء حتى قبض .

                                                                                      عن أبي سلمة ، مرسلا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه .

                                                                                      ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء ووزراء ، وإني أعطيت أربعة عشر فسمى فيهم أبا ذر . [ ص: 61 ]

                                                                                      شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت بحب أربعة ، وأخبرني الله - تعالى - أنه يحبهم . قلت : من هم يا رسول الله ؟ قال : علي ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد بن الأسود .

                                                                                      قال شهر بن حوشب : حدثتني أسماء : أن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فرغ من خدمته ، أوى إلى المسجد ، وكان هو بيته ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فوجده منجدلا في المسجد ، فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله ، حتى استوى جالسا ، فقال : ألا أراك نائما ؟ قال : فأين أنام ، هل لي من بيت غيره ؟ فجلس إليه ، ثم قال : كيف أنت إذا أخرجوك منه ؟ قال : ألحق بالشام ؛ فإن الشام أرض الهجرة ، وأرض المحشر ، وأرض الأنبياء ، فأكون رجلا من أهلها - قال له : كيف أنت إذا أخرجوك من الشام ؟ قال : أرجع إليه ؛ فيكون بيتي ومنزلي . قال : فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية ؟ قال : آخذ إذا سيفي فأقاتل حتى أموت .

                                                                                      قال : فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : أدلك على خير من ذلك ؟ قال : بلى ، بأبي وأمي يا رسول الله .

                                                                                      قال : تنقاد لهم حيث قادوك ، حتى تلقاني وأنت على ذلك
                                                                                      [ ص: 62 ] أخرجه أحمد في " مسنده " .

                                                                                      وفي المسند : أخبرنا أبو المغيرة : أخبرنا صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان ، وأبي المثنى : أن أبا ذر قال : بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا ، وواثقني سبعا ، وأشهد الله علي سبعا : ألا أخاف في الله لومة لائم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية