الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وإن كانت ممن يوطأ مثلها ، فإن كانت بكرا ، وقلنا : لا يجب استبراؤها ، فظاهر ، وإن قلنا : يجب استبراؤها ، فقال أصحابنا : تحرم قبلتها ومباشرتها ، وعندي أنه لا يحرم ، ولو قلنا بوجوب استبرائها ؛ لأنه لا يلزم من تحريم الوطء تحريم دواعيه ، كما في حق الصائم ، لا سيما وهم إنما حرموا تحريم مباشرتها ؛ لأنها قد تكون حاملا ، فيكون مستمتعا بأمة الغير ، هكذا عللوا تحريم المباشرة ، ثم قالوا : ولهذا لا يحرم الاستمتاع بالمسبية بغير الوطء قبل الاستبراء في إحدى الروايتين ؛ لأنها لا يتوهم فيها انفساخ الملك ؛ لأنه قد استقر بالسبي فلم يبق لمنع الاستمتاع بالقبلة وغيرها من البكر معنى .

وإن كانت ثيبا ، فقال أصحاب أحمد ، والشافعي ، وغيرهم : يحرم الاستمتاع بها قبل الاستبراء ، قالوا : لأنه استبراء يحرم الوطء ، فحرم الاستمتاع بها قبل الاستبراء كالعدة ، ولأنه لا يأمن [ ص: 656 ] كونها حاملا ، فتكون أم ولد ، والبيع باطل ، فيكون مستمتعا بأم ولد غيره . قالوا : ولهذا فارق وطء تحريم الحائض والصائم .

وقال الحسن البصري : لا يحرم من المستبرأة إلا فرجها وله أن يستمتع منها بما شاء ما لم يطأ ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما منع من الوطء قبل الاستبراء ، ولم يمنع مما دونه ، ولا يلزم من تحريم الوطء تحريم ما دونه ، كالحائض والصائمة وقد قيل : إن ابن عمر قبل جاريته من السبي حين وقعت في سهمه قبل استبرائها .

ولمن نصر هذا القول أن يقول : الفرق بين المشتراة والمعتدة : أن المعتدة قد صارت أجنبية منه ، فلا يحل وطؤها ولا دواعيه ، بخلاف المملوكة ، فإن وطأها إنما يحرم قبل الاستبراء خشية اختلاط مائه بماء غيره ، وهذا لا يوجب تحريم الدواعي ، فهي أشبه بالحائض والصائمة ، ونظير هذا أنه لو زنت امرأته أو جاريته ، حرم عليه وطؤها قبل الاستبراء ، ولا يحرم دواعيه وكذلك المسبية كما سيأتي .

وأكثر ما يتوهم كونها حاملا من سيدها ، فينفسخ البيع ، فهذا بناء على تحريم بيع أمهات الأولاد على علاته ، ولا يلزم القائل به ؛ لأنه لما استمتع بها ، كانت ملكه ظاهرا ، وذلك يكفي في جواز الاستمتاع ، كما يخلو بها ويحدثها ، وينظر منها ما لا يباح من الأجنبية ، وما كان جوابكم عن هذه الأمور ، فهو الجواب عن القبلة والاستمتاع ، ولا يعلم في جواز هذا نزاع ، فإن المشتري لا يمنع من قبض أمته وحوزها إلى بيته ، وإن كان وحده قبل الاستبراء ، ولا يجب عليها أن تستر وجهها منه ، ولا يحرم عليه النظر إليها والخلوة بها ، والأكل معها ، واستخدامها ، والانتفاع بمنافعها ، وإن لم يجز له ذلك في ملك الغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية