الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 310 ] ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها وقعت مفاداة بجماعة من المسلمين الذين كانوا بأيدي الروم على يدي الأمير خاقان الخادم ، وذلك في المحرم من هذه السنة ، وكان عدة الأسارى الذين استنقذوا من أيدي الكفار أربعة آلاف وثلاثمائة واثنين وستين أسيرا . ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كان مقتل أحمد بن نصر الخزاعي رحمه الله وأكرم مثواه ، وكان سبب ذلك أن هذا الرجل وهو أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي وجده مالك بن الهيثم من أكبر الدعاة في الناس إلى دولة بني العباس ، وكانت له وجاهة ورياسة ، وكان أبوه نصر بن مالك يغشاه أهل الحديث ، وقد بايعه العامة في سنة إحدى ومائتين على القيام بالأمر والنهي عن المنكر حين كثرت الدعار والشطار في أرجاء بغداد في زمان غيبة المأمون عن بغداد كما قدمنا بسط ذلك ، وبه تعرف سويقة نصر ببغداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان أحمد بن نصر هذا من أهل العلم والديانة والعمل الصالح والاجتهاد [ ص: 311 ] في الخير ، ومن أئمة المسلمين وأهل السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وكان ممن يدعو إلى القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وكان هارون الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن ، يدعو إليه ليلا ونهارا ، سرا وجهارا ; اعتمادا على ما كان أبوه المعتصم وعمه المأمون عليه في ذلك من غير دليل ولا برهان ، ولا حجة ولا بيان ، ولا سنة ولا قرآن ، فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله ، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها ، فاجتمع عليه جماعة من أهل بغداد والتف عليه من الألوف أعداد ، وانتصب للدعوة إلى أحمد بن نصر هذا رجلان وهما أبو هارون السراج يدعو أهل الجانب الشرقي ، وطالب يدعو أهل الجانب الغربي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان شهر شعبان من هذه السنة انتظمت البيعة لأحمد بن نصر الخزاعي في السر على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والخروج على السلطان لبدعته ، ودعوته إلى القول بخلق القرآن . فتواعدوا على أنه في الليلة الثالثة من شهر شعبان وهي ليلة الجمعة يضرب طبل في الليل ، فيجتمع الناس الذين بايعوا في مكان اتفقوا عليه ، وأنفق طالب وأبو هارون في أصحابه دينارا دينارا ، فكان في جملة من أعطوه رجلان من بني أشرس ، وكانا يتعاطيان الشراب فلما [ ص: 312 ] كانت ليلة الخميس شربا في قوم من أصحابهم ، واعتقدا أن تلك الليلة هي ليلة الوعد ، وكان ذلك قبله بليلة ، فقاما يضربان على طبل في الليل ; ليجتمع إليهما الناس ، فلم يجئ أحد وانخرم النظام ، وسمع الحرس في الليل ، فأعلموا نائب السلطنة وهو محمد بن إبراهيم بن مصعب نائب أخيه إسحاق بن إبراهيم ; لغيبته عن بغداد فأصبح الناس متخبطين ، واجتهد نائب السلطنة على إحضار ذينك الرجلين فأحضرا فعاقبهما ، فأقرا على أحمد بن نصر في الحال فطلبه ، وأخذ خادما له فاستقره ، فأقر بما أقر به الرجلان ، فجمع جماعة من رءوس أصحاب أحمد بن نصر معه ، وأرسل بهم إلى الخليفة بسر من رأى ، وذلك آخر يوم من شعبان من هذه السنة فأحضر له جماعة من الأعيان ، وحضر القاضي أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي ، ولم يظهر منه على أحمد بن نصر عتب ، فلما أوقف أحمد بن نصر بين يدي الخليفة الواثق لم يعاتبه على شيء مما كان منه في أمر مبايعة العامة له على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأعرض عن ذلك كله ، وقال له : ما تقول في القرآن ؟ فقال : هو كلام الله . قال : أمخلوق هو ؟ قال : هو كلام الله . وكان أحمد بن نصر قد [ ص: 313 ] استقتل ، وحضر وقد تحنط وتنور ، فقال له الواثق : فما تقول في ربك ، أتراه يوم القيامة ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، قد جاء القرآن والأخبار بذلك ، قال الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [ القيامة : 22 ، 23 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فنحن على الخبر . زاد الخطيب في إيراده : قال الواثق : ويحك ، أيرى كما يرى المحدود المتجسم ؟ ويحويه مكان ويحصره الناظر ؟ أنا أكفر برب هذه صفته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا الذي قاله الخليفة الواثق لا يرد ، ولا يلزم ، ولا يرد به مثل هذا الخبر الصحيح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال أحمد بن نصر الخزاعي للواثق : وحدثني سفيان بحديث يرفعه إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله يقلبه وكان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 314 ] يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال له إسحاق بن إبراهيم : ويلك ، انظر ما تقول . فقال : أنت أمرتني بذلك . فأشفق إسحاق من ذلك ، وقال : أنا أمرتك بذلك ؟ قال : نعم ، أنت أمرتني أن أنصح له . فقال الواثق لمن حوله : ما تقولون في هذا ؟ فأكثروا القول فيه ; فقال عبد الرحمن بن إسحاق وكان قاضيا على الجانب الغربي فعزل وكان موادا لأحمد بن نصر قبل ذلك : يا أمير المؤمنين ، هو حلال الدم . وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب أحمد بن أبي دؤاد : اسقني دمه يا أمير المؤمنين . فقال الواثق : يأتي على ما تريد . وقال القاضي أحمد بن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين ، هو كافر يستتاب ، لعل به عاهة أو نقص عقل . فقال الواثق : إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحد معي ، فإني أحتسب خطاي . ثم نهض إليه بالصمصامة وقد كانت سيفالعمرو بن معدي كرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي في أيام خلافته ، وكانت صفيحة موصولة في أسفلها ، مسمورة بثلاثة مسامير فلما انتهى إليه ضربه بها على عاتقه ، وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط رحمه الله صريعا على النطع ميتا فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 315 ] ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه ، وحز رأسه ، وحمل معترضا حتى أتي به الحظيرة التي فيها بابك الخرمي فصلب فيها ، وفي رجليه زوج قيود ، وعليه سراويل ، وقميص ، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما ، وفي الجانب الغربي أياما ، وعنده الحرس في الليل والنهار وفي أذنه رقعة مكتوب فيها : هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر ، ممن قتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن ، ونفي التشبيه ، وعرض عليه التوبة ، ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح ، فالحمد لله الذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر ، فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم أمر الخليفة الواثق بتتبع رءوس أصحابه ، فأخذ منهم نحوا من سبعة وعشرين رجلا ، فأودعوا في السجون وسموا الظلمة ، ومنعوا أن يزورهم أحد وقيدوا بالحديد ، ولم يجر عليهم شيء من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين ، وهذا ظلم عظيم . هذا ملخص ما قاله ابن جرير رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان أحمد بن نصر هذا - رحمه الله - من أكابر العلماء العاملين وممن كان قائما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسمع الحديث من حماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وهشيم بن بشير ، وكانت عنده مصنفاته كلها ، [ ص: 316 ] وسمع من الإمام مالك بن أنس أحاديث جيدة ، ولم يحدث بكثير من حديثه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحدث عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وأخوه يعقوب بن إبراهيم ، ويحيى بن معين ، وذكره يوما فترحم عليه ، وقال : قد ختم الله له بالشهادة ، وقد كان لا يحدث ; يقول : لست أهل ذاك . وأحسن يحيى بن معين الثناء عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكره الإمام أحمد بن حنبل يوما فقال : رحمه الله ، ما كان أسخاه لقد جاد بنفسه لله ، عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال جعفر بن محمد الصائغ : بصر عيناي وإلا فعميتا ، وسمعت أذناي وإلا فصمتا أحمد بن نصر الخزاعي حيث ضربت عنقه ، يقول رأسه : لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد سمعه بعض الناس ، ورأسه مصلوب يقرأ على الجذع الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون [ العنكبوت : 1 ، 2 ] قال : فاقشعر جلدي . ورآه بعضهم في النوم فقال له : ما فعل بك ربك ؟ [ ص: 317 ] فقال : ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك إلي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورأى بعض الناس في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه أبو بكر وعمر وقد مروا على الجذع الذي عليه رأس أحمد بن نصر ، فلما حاذوه أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم عنه ، فقيل له : يا رسول الله ما لك أعرضت عن أحمد بن نصر ؟ فقال : استحياء منه حين قتله رجل من أهل بيتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يزل رأس أحمد بن نصر منصوبا ببغداد من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة - أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين - إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية ، رحمه الله ، وذلك بأمر المتوكل على الله الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق بالله وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكناني صاحب كتاب " الحيدة " على أمير المؤمنين المتوكل على الله وكان من خيار الخلفاء ; لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة ، بخلاف أخيه الواثق ، وأبيه المعتصم ، وعمه المأمون فإنهم أساءوا إلى أهل السنة ، وقربوا [ ص: 318 ] أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم ، فأمره أن ينزل جثة أحمد بن نصر ، ويدفنه ففعل ، وقد كان المتوكل يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكراما زائدا جدا ، كما سيأتي بيانه في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمقصود أن عبد العزيز الكناني قال للمتوكل : يا أمير المؤمنين ، ما رئي أعجب من أمر الواثق ; قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن . فوجد المتوكل من ذلك ، وساءه ما سمع في أخيه الواثق ، فلما دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات ، قال له المتوكل : في قلبي من قتل أحمد بن نصر . فقال : يا أمير المؤمنين ، أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا . ودخل عليه هرثمة فقال له في ذلك ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قطعني الله إربا إربا إن قتله الواثق إلا كافرا . ودخل عليه القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، فقال له مثل ذلك ، فقال : ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلا كافرا . قال المتوكل : فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار ، وأما هرثمة فإنه هرب وتبدى فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي ، فقال : يا معشر خزاعة ، هذا الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه . فقطعوه إربا إربا ، وأما [ ص: 319 ] ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده يعني بالفالج ضربه الله به قبل موته بأربع سنين ، وصودر من صلب ماله بمال جزيل جدا ، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى أبو داود في كتاب " المسائل " عن أحمد بن إبراهيم الدورقي ، عن أحمد بن نصر قال : سألت سفيان بن عيينة : " القلوب بين أصبعين من أصابع الله ، وإن الله يضحك ممن يذكره في الأسواق " . فقال : ارووها كما جاءت بلا كيف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة كان الواثق قد عزم على الحج ، واستعد لذلك ، فذكر له أن الماء بالطريق قليل ، فترك الحج عامئذ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها تولى جعفر بن دينار نيابة اليمن ، فسار إليها في أربعة آلاف فارس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عدا قوم من العامة على بيت المال فأخذوا منه شيئا من الذهب والفضة فأخذوا ، وسجنوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ظهر خارجي ببلاد ربيعة ، فقاتله نائب الموصل فكسره ، وانهزم بقية أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 320 ] وفيها قدم وصيف الخادم بجماعة من الأكراد نحوا من خمسمائة في القيود ، كانوا قد أفسدوا في الطرقات وقطعوها ، فأطلق الخليفة لوصيف الخادم خمسة وسبعين ألف دينار ، وخلع عليه خلعة سنية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة قدم خاقان الخادم من بلاد الروم ، وقد تم الصلح والمفاداة بينه وبين الروم ، وقدم معه جماعة من رءوس أهل الثغور فأمر الواثق بامتحانهم في القول بخلق القرآن ، وأن الله لا يرى في الآخرة ، فأجابوا إلا أربعة ، فأمر الواثق بضرب أعناقهم إن لم يجيبوا بمثل ما أجاب به بقيتهم . وأمر الواثق أيضا بامتحان الأسارى المسلمين الذين فودي عنهم بذلك ، فمن أجاب إلى القول بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة فودي ، وإلا ترك في أيدي الكفار ، وهذه بدعة صلعاء شنعاء عمياء صماء لا مستند لها من كتاب ولا سنة ولا عقل صحيح ، بل الكتاب والسنة والعقل الصحيح بخلافها ، كما هو مقرر في موضعه ، وبالله المستعان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان وقوع المفاداة عند نهر يقال له : اللامس . عند سلوقية بالقرب من طرسوس بدل كل مسلم أو مسلمة في أيدي الروم أو ذمي أو ذمية كان تحت عقد المسلمين - أسير من الروم كان بأيدي المسلمين ممن لم يسلم ، [ ص: 321 ] فنصبوا جسرين على النهر فإذا أرسل الروم رجلا أو امرأة في جسرهم فانتهى إلى المسلمين كبر وكبر المسلمون . ويرسل المسلمون أسيرا من الروم على جسرهم ، فإذا انتهى إليهم تكلم بكلام يشبه التكبير أيضا ، ولم يزالوا كذلك مدة أربعة أيام ، بدل كل نفس نفس ، ثم بقي مع خاقان جماعة من الروم الأسارى ، فأطلقهم للروم ; ليكون له الفضل عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جرير : في هذه السنة مات الحسن بن الحسين ، أخو طاهر بن الحسين بطبرستان في شهر رمضان . وفيها مات الخطاب بن وجه الفلس ، وفيها مات أبو عبد الله بن الأعرابي الراوية يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من شعبان ، وهو ابن ثمانين سنة ، وفيها ماتت أم أبيها بنت موسى أخت علي بن موسى الرضا ، وفيها مات مخارق المغني ، وأبو نصر أحمد بن حاتم راوية الأصمعي ، وعمرو بن أبي عمرو الشيباني ، ومحمد بن سعدان النحوي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية