الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3002 14 - حدثنا مسدد ، قال : حدثنا بشر هو ابن المفضل ، قال : حدثنا يحيى ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال : انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا ، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دم قتيلا ، فدفنه ثم قدم المدينة ، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب عبد الرحمن يتكلم ، فقال : كبر كبر ، وهو أحدث القوم ، فسكت فتكلما ، فقال : أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم ؟ قالوا : وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر ؟ قال : فتبريكم يهود بخمسين ، فقالوا : كيف نأخذ أيمان قوم كفار ؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله " وهي يومئذ صلح " ، وتمام المطابقة تؤخذ من قوله " فعقله النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من عنده " لأنه مصالحة مع المشركين بالمال .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم تسعة :

                                                                                                                                                                                  الأول : مسدد .

                                                                                                                                                                                  الثاني : بشر بكسر الباء الموحدة ابن المفضل على صيغة اسم المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة ابن لاحق أبو إسماعيل البصري .

                                                                                                                                                                                  الثالث : يحيى بن سعيد الأنصاري .

                                                                                                                                                                                  الرابع : بشير بضم الباء الموحدة مصغر بشر بن يسار ضد اليمين المدني مولى الأنصار .

                                                                                                                                                                                  الخامس : سهل بن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة ، واسمه عبد الله أبو محمد الأنصاري المدني .

                                                                                                                                                                                  فهؤلاء الخمسة رواة .

                                                                                                                                                                                  السادس : عبد الله بن سهل بن زيد بن كعب الحارثي قتيل اليهود بخيبر ، وهو أخو عبد الرحمن بن سهل وابن أخي حويصة ومحيصة .

                                                                                                                                                                                  السابع : محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة ابن مسعود بن كعب بن عامر الأنصاري الخزرجي أبو سعيد المدني ، له صحبة وهو أخو حويصة بن مسعود ويقال فيهما جميعا بتشديد الياء وتخفيفها ، أسلم قبل أخيه حويصة ، وكان حويصة [ ص: 96 ] أسن منه .

                                                                                                                                                                                  الثامن : عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري أخو عبد الله بن سهل المذكور .

                                                                                                                                                                                  التاسع : حويصة بن مسعود الأنصاري أبو سعد أخو محيصة لأبيه وأمه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الصلح عن مسدد ، وفي الأدب عن سليمان بن حرب ، وفي الديات عن أبي نعيم ، وفي الأحكام عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في الحدود عن عبيد الله بن عمر عن حماد ، وعن عبيد الله أيضا عن بشر بن المفضل ، وعن عمرو الناقد ، وعن محمد بن المثنى ، وعن قتيبة ، وعن يحيى بن يحيى ، وعن القعنبي عن سليمان بن بلال ، وعن محمد بن عبد الله بن نمير ، وعن إسحاق بن منصور .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود في الديات عن القواريري ومحمد بن عبيد ، وعن أبي الطاهر بن السرح ، وعن الحسن بن محمد ، وأخرجه الترمذي في الديات أيضا عن قتيبة به ، وعن الحسن بن علي الخلال .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي في القضاء وفي القسامة عن قتيبة به ، وعن أبي الطاهر بن السرح به ، وعن أحمد بن عبدة وعن محمد بن منصور ، وعن محمد بن بشار وعن إسماعيل بن مسعود ، وعن عمرو بن علي وعن أحمد بن سليمان فيهما ، وعن محمد بن إسماعيل في القضاء وحده وفيهما عن /0 محمد بن سلمة /0 والحارث بن مسكين ، وأخرجه ابن ماجه في الديات عن يحيى بن حكيم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله " انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر " ، وكانا خرجا في أناس من أصحاب لهما يمتارون تمرا ، فوجد عبد الله بن سهل في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها فدفنوه ، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له شأنه فحكم فيه بالقسامة ، وبسببه كانت القسامة .

                                                                                                                                                                                  قوله " وهي يومئذ صلح " أي والحال أن خيبر يوم وقوع هذه القضية صلح يعني كانوا في مصالحة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، قوله " وهو يتشحط في دم " أي عبد الله يضطرب في الدم ، قاله الخطابي .

                                                                                                                                                                                  وقال الداودي : المتشحط المختضب ، ومادته شين معجمة وحاء مهملة وطاء مهملة .

                                                                                                                                                                                  قال ابن الأثير : معناه يتخبط في دمه ويضطرب ويتمرغ .

                                                                                                                                                                                  قوله " قتيلا " نصب على الحال ، قوله " كبر كبر " أي قدم الأسن يتكلم ، وهو أمر من التكبير كرره للمبالغة .

                                                                                                                                                                                  قوله " أتحلفون " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار ، قوله " أو صاحبكم " شك من الراوي ، قوله " تبرئكم " من الإبراء أي تبرأ إليكم من دعواكم بخمسين يمينا ، قوله " خمسين " هكذا وقع بغير مميزه ، وتقديره بخمسين يمينا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فعقله النبي صلى الله عليه وسلم " أي أدى ديته ، قوله " من عنده " يحتمل وجهين أحدهما هو أن يكون من مال نفسه ، والآخر أن يكون من مال بيت المال المعد لمصالح المسلمين ، وإنما عقله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قطعا للنزاع وإصلاحا وجبرا لخواطرهم ، وإلا فاستحقاقهم لم يثبت .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه أدب وإرشاد إلى أن الأكبر أولى بالتقدمة في الكلام ، واعلم أن حقيقة الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن لا حق فيها لابني عمه ، وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمر أن يتكلم الأكبر لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى بل سماع صورة القصة وكيفيتها ، فإذا أراد حقيقتها تكلم صاحبها .

                                                                                                                                                                                  ويحتمل أن عبد الرحمن وكل الأكبر أو أمره بتوكيله فيها ، وفيه أن القوم إذا كان فيهم صغير ينبغي أن يتأدب الصغير ولا يتقدم عليهم بالكلام ونحوه ، أشار إليه بقوله " وهو أحدث القوم " أي عبد الرحمن أصغر القوم ، وفيه صحة الوكالة أشار إليه بقوله " فتكلما " أي فتكلم محيصة وحويصة ، وذلك لأن الحق لم يكن لهما وإنما تكلما بطريق الوكالة ، وفيه أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوى من جهة أن اليمين على المدعي ، وفيه أن القسامة خمسون يمينا ، فإن قلت : كيف عرضت اليمين على الثلاثة وإنما هي للوارث خاصة وهو أخوه ؟ قلت : كان معلوما عندهم أن اليمين تختص بالوارث فأطلق الخطاب لهم والمراد من يختص به ، وفيه إثبات حكم القسامة خلافا لجماعة روي عنهم إبطال القسامة وأنه لا حكم فيها ولا عمل بها .

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : منهم البخاري ، وفيه من استدل على أن القسامة توجب القصاص بقوله " تستحقون دم قاتلكم " ، منهم مالك ، وقال النووي : معناه ثبت حقكم على من حلفتم عليه ، وذلك الحق أعم من أن يكون قصاصا أو دية ، وفيه كما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه من عنده قطعا للنزاع واستئلافا لليهود وطمعا منه في دخولهم الإسلام ، وليكف بذلك شرهم عن نفسه وعن المسلمين مع إشكال القضية بإباء أولياء القتيل من اليمين [ ص: 97 ] وإبائهم أيضا من قبول أيمان اليهود ، فكاد الحكم أن يكون مطولا ، ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوادع اليهود بالغرم عنهم لأن الدليل كان متوجها إلى اليهود في القتل لعبد الله ، وأراد أن يذهب ما بنفوس أوليائه من العداوة لليهود بأن غرم لهم الدية إذ كان العرف جاريا أن من أخذ دية قتيله فقد انتصف .

                                                                                                                                                                                  وقال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على فدية أو هدية يؤديها المسلمون إليهم ، فقال : لا يصح ذلك إلا بضرورة وشغل من المسلمين عن حربهم من قتال عدوهم أو فتنة شملت المسلمين ، فإذا كان ذلك فلا بأس به .

                                                                                                                                                                                  قال الوليد : وذكرت ذلك لسعيد بن عبد العزيز ، فقال : قد صالحهم معاوية أيام صفين وصالحهم عبد الملك بن مروان لشغله بقتال ابن الزبير يؤدي عبد الملك إلى طاغية ملك الروم في كل يوم ألف دينار وإلى تراجمة الروم وأنباط الشام في كل جمعة ألف دينار .

                                                                                                                                                                                  وقال الشافعي : لا يعطيهم المسلمون شيئا بحال إلا أن يخافوا أن يصطلحوا لكثرة العدد لأنه من معاني الضرورات أو يرسل مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس به لأنه صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين ، وقال ابن بطال : ولم أجد لمالك وأصحابه ولا الكوفيين نصا في هذه المسألة ، قلت : مذهب أصحابنا أن للإمام أن يصالحهم بمال يأخذه منهم أو يدفعه إليهم إذا كان الصلح خيرا في حق المسلمين ، لقوله تعالى وإن جنحوا للسلم فاجنح لها والمال الذي يؤخذ منهم بالصلح يصرف مصارف الجزية .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية