الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تصل على أحد منهم مات صفة لـ"أحد"، وإنما جيء بصيغة الماضي تنبيها على تحقق الوقوع لا محالة أبدا متعلق بالنهي، أي: لا تدع ولا تستغفر لهم أبدا ولا تقم على قبره أي: لا تقف عليه للدفن، أو للزيارة والدعاء، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم على قبور المنافقين، ويدعو لهم، فلما مرض رأس النفاق عبد الله بن أبي ابن سلول بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليأتيه فلما دخل عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: "أهلكك حب اليهود" فقال: [ ص: 90 ] يا رسول الله، بعثت إليك لتستغفر لي لا لتؤنبني، وسأله أن يكفنه في شعاره الذي يلي جلده، ويصلي عليه، فلما مات دعاه ابنه، وكان مؤمنا صالحا، فأجابه - صلى الله عليه وسلم - تسلية له ومراعاة لجانبه، وأرسل إليه قميصه فكفن فيه، فلما هم بالصلاة أو صلى نزلت.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن عمر - رضي الله عنه -أنه قال: لما هلك عبد الله بن أبي ووضعناه ليصلى عليه قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أتصلي على عدو الله، القائل يوم كذا: كذا وكذا، والقائل يوم كذا: كذا وكذا، وعددت أيامه الخبيثة، فتبسم - صلى الله عليه وسلم - وصلى عليه، ثم مشى معه وقام على حفرته حتى دفن، فوالله ما لبث إلا يسيرا حتى نزل (ولا تصل ...) إلخ، فما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك على منافق ولا قام على قبره، وإنما لم ينه عن التكفين بقميصه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الضنة بالقميص كانت مظنة الإخلال بالكرم، على أنه كان مكافأة لقميصه الذي كان ألبسه العباس - رضي الله تعالى عنه - حين أسر ببدر، والخبر مشهور.

                                                                                                                                                                                                                                      إنهم كفروا بالله ورسوله تعليل للنهي على معنى أن الاستغفار للميت والوقوف على قبره إنما يكون لاستصلاحه، وذلك مستحيل في حقهم؛ لأنهم استمروا على الكفر بالله ورسوله مدة حياتهم وماتوا وهم فاسقون أي: متمردون في الكفر خارجون عن حدوده، كما بين من معنى الفسق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية