الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأما تحريم بيع الخمر ، فيدخل فيه تحريم بيع كل مسكر ، مائعا كان ، أو جامدا ، عصيرا ، أو مطبوخا ، فيدخل فيه عصير العنب ، وخمر الزبيب ، والتمر ، والذرة ، والشعير ، والعسل ، والحنطة ، واللقمة الملعونة ، لقمة الفسق والقلب التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن ، فإن هذا كله خمر بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده ، ولا إجمال في متنه ، إذ صح عنه قوله : ( كل مسكر خمر ) .

وصح عن أصحابه - رضي الله عنهم - الذين هم أعلم الأمة بخطابه ومراده : أن الخمر ما خامر العقل فدخول هذه الأنواع تحت اسم الخمر كدخول جميع أنواع الذهب والفضة ، والبر والشعير ، والتمر والزبيب ، تحت قوله : ( لا تبيعوا [ ص: 663 ] الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلا مثلا بمثل ) .

فكما لا يجوز إخراج صنف من هذه الأصناف عن تناول اسمه له ، فهكذا لا يجوز إخراج صنف من أصناف المسكر عن اسم الخمر ، فإنه يتضمن محذورين .

أحدهما : أن يخرج من كلامه ما قصد دخوله فيه .

والثاني : أن يشرع لذلك النوع الذي أخرج حكم غير حكمه ، فيكون تغييرا لألفاظ الشارع ومعانيه ، فإنه إذا سمى ذلك النوع بغير الاسم الذي سماه به الشارع ، أزال عنه حكم ذلك المسمى وأعطاه حكما آخر .

ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمته من يبتلى بهذا ، كما قال : ( ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ) قضى قضية كلية عامة لا يتطرق إليها إجمال ، ولا احتمال ، بل هي شافية كافية ، فقال : ( كل مسكر خمر ) ، هذا ولو أن أبا عبيدة ، والخليل وأضرابهما من أئمة اللغة ذكروا هذه الكلمة هكذا لقالوا : قد نص أئمة اللغة على [ ص: 664 ] أن كل مسكر خمر ، وقولهم حجة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى عند ذكر هديه في الأطعمة والأشربة مزيد تقرير لهذا ، وأنه لو لم يتناوله لفظه ، لكان القياس الصريح الذي استوى فيه الأصل والفرع من كل وجه حاكما بالتسوية بين أنواع المسكر في تحريم البيع والشرب ، فالتفريق بين نوع ونوع ، تفريق بين متماثلين من جميع الوجوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية