الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فصل ) : مبتدأة بلغت بالحبل بأن حبلت من زوجها قبل أن تحيض فولدت واستمر بها الدم فنفاسها أربعون يوما . وقال الشافعي رحمه الله تعالى نفاسها ساعة ، وهو بناء على ما بيناه في الحيض أن المعتبر هناك أكثر الحيض عند الإمكان فكذلك هنا المعتبر أكثر النفاس ، وعنده هناك المعتبر أقل الحيض يوم وليلة فكذا نفاسها أقل النفاس ، وذلك ساعة ثم بعد الأربعين يجعل طهرها عشرون ; لأنه كما لا يتوالى حيضتان ليس بينهما طهر لا يتوالى حيض ونفاس ليس بينهما طهر وإنما قدرنا طهرها بعشرين يوما ; لأن حيض المبتدأة إذا ابتليت بالاستمرار أكثر الحيض ، وذلك عشرة وطهرها بقية الشهر وذلك عشرون فلا فرق بين أن تكون البداءة من الحيض أو من الطهر في مقدار العدد فلهذا جعلنا طهرها عشرين وحيضها بعد ذلك عشرة ، وذلك دأبها ، وكذلك لوطهرت بعد الأربعين أربعة عشر يوما فهذا طهر قاصر لا يصلح للفصل بين الحيض والنفاس فكان كالدم المتوالي فإن طهرت بعد الأربعين خمسة عشر يوما ثم استمر بها الدم فإنها تترك من أول الاستمرار عشرة ; لأن طهرها خمسة عشر طهر صحيح فيصير عادة لها بالمرة الواحدة ، ولا عادة لها في الحيض فيكون حيضها عشرة فلهذا تدع من أول الاستمرار عشرة ، وتصلي خمسة عشر فدورها في كل خمسة وعشرين يوما ثم نسوق المسألة إلى أن نقول : طهرت بعد الأربعين أحدا وعشرين يوما ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى تدع من أول الاستمرار تسعة ثم تصلي أحدا وعشرين يوما ذلك دأبها ; لأنها لما طهرت في الحادي والعشرين فلا يمكن جعل [ ص: 167 ] ذلك حيضا بل هو طهر صحيح وعادتها بالطهر والحيض يجتمع في الشهر فإذا صار أحدا وعشرين طهرا لها لم يبق لحيضها إلا تسعة فجعلنا حيضها تسعة ألا ترى أنها لو حاضت خمسة في الابتداء ثم طهرت أربعة عشر ، واستمر بها الدم جعلنا حيضها خمسة وطهرها بقية الشهر وذلك خمسة وعشرون فهذا مثله .

وقال أبو عثمان : رحمه الله تعالى تدع من أول الاستمرار عشرة وتصلي واحدا وعشرين ، وذلك دأبها فيكون دورها في كل واحد وثلاثين يوما قال : لأنا إنما قدرنا الطهر بما بقي من الشهر ; لأنه ليس لأكثره غاية معلومة ، وذلك لا يوجد في الحيض فأكثره معلوم ، وهو عشرة فكان طهرها أحدا وعشرين يوما كما رأت ، وحيضها عشرة ثم نسوق هذه المسألة إلى أن نقول : طهرت سبعة وعشرين ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى حيضها من أول الاستمرار ثلاثة ; لأنه هو الباقي من الشهر ويمكن أن يجعل حيضا وعلى قول أبي عثمان رحمه الله تعالى حيضها من أول الاستمرار عشرة ودورها في كل سبعة وثلاثين يوما فإن طهرت ثمانية وعشرين يوما ثم استمر بها الدم فهنا حيضها من أول الاستمرار عشرة بالاتفاق ، ودورها في كل ثمانية وثلاثين يوما ; لأنه لم يبق من الشهر ما يمكن أن يجعل حيضا لها فلأجل التعذر رجعنا إلى اعتبار أكثر الحيض وتركنا معنى اجتماع الحيض والطهر في شهر واحد فإن رأت أحدا وأربعين يوما دما كما ولدت ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى نفاسها أربعون وطهرها عشرون ; لأنها صلت في اليوم الحادي والأربعين بالدم فيفسد به طهر خمسة عشر ولا يصلح لنصب العادة فلهذا كان طهرها عشرين فمن أول الاستمرار تصلي أربعة تمام طهرها ثم تدع عشرة ، وعلى قول أبي علي الدقاق طهرها ستة عشر كما بينا فمن أول الاستمرار تدع عشرة ، وتصلي ستة عشر يوما ، وذلك دأبها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

التالي السابق


الخدمات العلمية