الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 211 ] وأما إذا لم يعد حرف النفي فيكون لارتباط أحد الفعلين بالآخر، مثل أن يكون أحدهما مستلزما للآخر، كما قيل: لا تكفر بالله وتكذب أنبياءه، ونحو ذلك.

وما يكون اقترانهما ممكنا لا محذور فيه، لكن النهي عن الجميع فهو قليل في الكلام.

ولذلك قل ما يكون فيه الفعل الثاني منصوبا، والغالب على الكلام جزم الفعلين.

وهذا مما يبين أن الراجح في قوله: (وتلبسوا) أن تكون الواو واو العطف، والفعل مجزوما، ولم يعد حرف النفي لأن أحد الفعلين مرتبط بالآخر مستلزم له، فالنهي عن الملزوم ـ وإن كان يتضمن النهي عن اللازم فقد يظن أنه ليس مقصودا للناهي، وإنما هو واقع بطريق اللزوم العقلي.

ولهذا تنازع الناس في الأمر بالشيء: هل يكون أمرا بلوازمه؟ وهل يكون نهيا عن ضده؟ مع اتفاقهم على أن فعل المأمور لا يكون إلا مع فعل لوازمه وترك ضده.

ومنشأ النزاع: أن الآمر بالفعل قد لا يكون مقصوده اللوازم ولا ترك الضد، ولهذا إذا عاقب المكلف لا يعاقبه إلا على ترك المأمور فقط، لا يعاقبه على ترك لوازمه وفعل ضده.

وهذه المسألة هي الملقبة بأن: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وقد غلط فيها بعض الناس، فقسموا ذلك إلى ما لا يقدر المكلف عليه كالصحة في الأعضاء والعدد في الجمعة، ونحو ذلك مما لا يكون قادرا على تحصيله، وإلى ما يقدر عليه كقطع المسافة إلى الحج، وغسل جزء من الرأس في الوضوء، وإمساك [ ص: 212 ] جزء من الليل في الصيام، ونحو ذلك، فقالوا: ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب.

وهذا التقسيم خطأ، فإن هذه الأمور التي ذكروها هي شرط في الوجوب، فلا يتم الوجوب إلا بها، وما لا يتم الوجوب إلا به لا يجب على العبد فعله باتفاق المسلمين، سواء كان مقدورا عليه أو لا، كالاستطاعة في الحج واكتساب نصاب الزكاة، فإن العبد إذا كان مستطيعا للحج وجب عليه الحج، وإذا كان مالكا لنصاب الزكاة وجبت عليه الزكاة، فالوجوب لا يتم إلا بذلك، فلا يجب عليه تحصيل استطاعة الحج، ولا ملك النصاب.

التالي السابق


الخدمات العلمية