الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                811 [ ص: 258 ] الحديث الثالث:

                                847 - ثنا عبد الله بن منير: سمع يزيد، أنا حميد، عن أنس، قال: أخر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل، ثم خرج علينا، فلما صلى أقبل علينا بوجهه، فقال: " إن الناس قد صلوا ورقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ".

                                التالي السابق


                                قد تقدم في " باب: وقت العشاء " بسياق أتم من هذا.

                                والمقصود منه هاهنا: إقباله صلى الله عليه وسلم بوجهه بعد الصلاة.

                                وخرج مسلم في " صحيحه " من حديث البراء بن عازب ، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحببنا أن نكون عن يمينه؛ ليقبل علينا بوجهه. قال: فسمعته يقول: " رب قني عذابك يوم تبعث عبادك " - وفيه: ذكر الدعاء بعد الصلاة - أيضا.

                                وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث يزيد بن الأسود ، قال: صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان إذا انصرف انحرف .

                                وصححه الترمذي .

                                وفي رواية بعضهم: فصلى، ثم انحرف .

                                وروى عبد الله بن فروخ ، أنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن أنس بن مالك ، قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان ساعة يسلم يقوم، ثم صليت مع أبي بكر ، فكان إذا سلم وثب مكانه، كأنه يقوم على رضف .

                                [ ص: 259 ] خرجه البيهقي .

                                وقال: تفرد به عبد الله بن فروخ المصري ، وله أفراد، فالله أعلم.

                                قلت: وثقه قوم، وخرج له مسلم في " صحيحه "، وتكلم فيه آخرون.

                                وقد رواه عبد الرزاق في " كتابه "، عن ابن جريج ، قال: نبئت، عن أنس بن مالك - فذكر الحديث بتمامه.

                                وهذا أصح.

                                قال البيهقي : والمشهور: عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال: كان أبو بكر الصديق إذا سلم قام كأنه جالس على الرضف.

                                قال: وروينا عن علي ، أنه سلم ثم قام.

                                ثم خرج بإسناده، عن خارجة بن زيد ، أنه كان يعيب على الأئمة جلوسهم بعد أن يسلموا، ويقول: السنة في ذلك أن يقوم الإمام ساعة يسلم.

                                قال: وروينا عن الشعبي والنخعي ، أنهما كرهاه.

                                ويذكر عن عمر بن الخطاب . والله أعلم.

                                وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح، عن ابن عمر ، قال: كان الإمام إذا سلم انكفت وانكفتنا معه .

                                وعن ابن مسعود ، قال: إذا سلم الإمام فليقم، ولينحرف عن مجلسه .

                                وعنه، أنه كان إذا سلم قام عن مجلسه أو انحرف .

                                [ ص: 260 ] وممن روي عنه، أن الإمام ينحرف ويستقبل القوم بوجهه: علي بن أبي طالب وطلحة والزبير .

                                وقال النخعي : إذا سلم الإمام ثم استقبل القبلة فأحصبوه.

                                وكره ذلك الثوري وأحمد وغيرهما من العلماء.

                                ولم يرخص في إطالة استقبال الإمام القبلة بعد سلامه للذكر والدعاء إلا بعض المتأخرين ممن لا يعرف السنن والآثار، ومنهم من استحب في عقب صلاة الفجر أن يأتي بالتهليل عشر مرات.

                                ذكره طائفة من أصحابنا وغيرهم، لما روى شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي ذر ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من قال في دبر صلاة الفجر، وهو ثان رجله قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير - عشر مرات - كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله ".

                                خرجه الترمذي بهذا اللفظ، وقال: حسن غريب صحيح.

                                وخرجه النسائي في " اليوم والليلة " بنحوه.

                                وخرجه - أيضا - من وجه آخر من حديث شهر ، عن عبد الرحمن ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحوه، ولم يذكر: " وهو ثان رجله "، إنما [ ص: 261 ] قال: " قبل أن يتكلم "، وذكر في صلاة العصر مثل ذلك.

                                وخرجه الإمام أحمد من حديث شهر ، عن ابن غنم - مرسلا، وعنده: " من قال من قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح " - وذكر الحديث.

                                وشهر بن حوشب ، مختلف فيه، وهو كثير الاضطراب، وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث كما ترى.

                                وقيل: عنه، عن ابن غنم ، عن أبي هريرة .

                                وقيل: عن شهر ، عن أبي أمامة .

                                قال الدارقطني : الاضطراب فيه من قبل شهر .

                                وقد روي نحوه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه أخر، كلها ضعيفة.

                                وحكى بعض أصحاب سفيان الثوري ، عنه، أنه قال: يستحب للإمام إذا صلى أن لا يجلس مستقبل القبلة، بل يتحول من مكانه أو ينحرف، إلا في العصر والفجر.

                                ولم يأخذ الإمام أحمد بحديث أبي ذر ، فإنه ذكر له هذا الحديث، فقال: أعجب إلي أن لا يجلس، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى الغداة أقبل عليهم بوجهه.

                                يعني: أن هذا أصح من حديث شهر بن حوشب هذا، مع أنه ليس في جميع رواياته: " قبل أن يثني رجله "، بل في بعضها.



                                الخدمات العلمية