الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وسجدة الشكر لا تدخل الصلاة ) لأن سببها لا تعلق له بها فإن فعلها فيها عامدا عالما بطلت صلاته ( و ) إنما ( تسن لهجوم نعمة ) له أو لنحو ولده أو لعموم المسلمين ظاهرة من حيث لا يحتسب ، وإن توقعها قبل كولد أو وظيفة دينية إن تأهل لها وطلب منه قبولها فيما يظهر أو مال أو جاه أو نصر على عدو أو قدوم غائب أو شفاء مريض بشرط حل المال وما بعده كما هو واضح وليس الهجوم مغنيا عن القيدين بعده ولا تمثيلهم بالولد منافيا للأخير خلافا لزاعميهما ؛ لأن المراد بهجوم الشيء مفاجأة وقوعه الصادق بالظاهر وما لا ينسب عادة لتسببه وضدهما وبالظهور أن يكون له وقع عرفا وبالأخير أن لا ينسب وقوعه في العادة لتسببه والولد ، وإن تسبب فيه لكنه كذلك ( أو ) هجوم ( اندفاع نقمة ) عنه أو عمن ذكر ظاهرة من حيث لا يحتسب كذلك كنجاة مما الغالب وقوع نحو الهلاك فيه كهدم وغرق للخبر الصحيح { أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسر به خر ساجدا } ورواه في دفع النقمة ابن حبان وخرج بالهجوم فيهما استمرارهما كالإسلام والعافية ؛ لأنه يؤدي إلى استغراق العمر في السجود .

                                                                                                                              كذا قيل وقد يعكر عليه قولهم في مواضع لا نظر لذلك ؛ لأنا لا نأمره به إلا إذا لم يعارضه ما هو أهم منه فالوجه التعليل بأن ذلك لم يرد له نظير بخلاف الهجوم بقيديه المذكورين بالظهور ما لا وقع له كحدوث درهم لفقير واندفاع وما لا وقع [ ص: 217 ] لإيذائه عادة لو أصابه وأما إخراج الباطنة كالمعرفة وستر المساوئ ففيه نظر ظاهر ؛ لأنهما من أجل النعم فالذي يتجه السجود لحدوثهما وبالأخير ما يحصل عقب أسبابه عادة كربح متعارف لتاجر ويسن إظهار السجود لذلك إلا إن تجددت له ثروة أو جاه أو ولد مثلا بحضرة من ليس له ذلك وعلم بالحال لئلا ينكسر قلبه .

                                                                                                                              ولو ضم للسجود صدقة أو صلاة كان أولى أو أقامهما مقامه فحسن وقول الخوارزمي لا يغنيان عنه أي لا يحصلان الأكمل ( أو رؤية مبتلى ) في عقله أو بدنه شكر الله سبحانه على سلامته منه لخبر الحاكم { أنه صلى الله عليه وسلم سجد لرؤية زمن } وفي خبر مرسل { أنه سجد لرؤية رجل ناقص خلق ضعيف حركة بالغ قصر } ، وقيل مبتلى وقيل مختلط عقل ويسن لمن رأى مبتلى أن يقول { الحمد لله الذي عافاني وما ابتلاني وفضلني على كثير من خلقه تفضيلا } لخبر الترمذي { من قال ذلك عوفي من ذلك البلاء ما عاش } ( أو ) رؤية ( عاص ) أي كافر أو فاسق متجاهر قال الأذرعي أو مستتر مصر ولو على صغيرة [ ص: 218 ] لأن مصيبة الدين أشد وإنما يسجد لرؤية المبتلى السليم من بلائه وإن كان مبتلى ببلاء آخر فيما يظهر وكذا يقال في العاصي والمراد برؤية أحدهما العلم بوجوده أو ظنه بنحو سماع كلامه ولا يلزم تكرر السجود إلى ما لا نهاية فيمن هو ساكن بإزائه مثلا ؛ لأنا لا نأمره به كذلك إلا إذا لم يوجد ما هو أهم منه يقدم عليه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أو مال ) قد يقال : قياسه الوظيفة الدنيوية ( قوله : وبالظهور أن يكون له وقع عرفا ) يوافقه ما نقل عن الإمام أنه يشترط في النعمة أن يكون لها بال ( قوله أن يكون له وقع إلخ ) بسط تأييد هذا ورد ما قاله شيخ الإسلام تبعا لابن العماد مما حاصله أن المراد الظهور للناس في شرح العباب نقلا ومعنى ( قوله ظاهرة ) صفة نقمة ( قوله : من حيث ) المناسب تعلقه باندفاع ( قوله [ ص: 217 ] في المتن ، أو رؤية مبتلى ) أي : ولو غير آدمي فيما يظهر ويحتمل تقييد بلائه حينئذ بما يمكن أن يحصل للآدمي في العادة ويحتمل خلافه لإمكان حصوله ولعل الأول أقرب ( قوله في المتن ، أو عاص ) هو يشمل ما بعده ولا يشترط في المعصية التي يتجاهر بها كونها كبيرة كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي رحمه الله تعالى م ر ، والأوجه أن الفاسق إذا رأى فاسقا فإن قصد بالسجود زجره سجد مطلقا ، أو الشكر على السلامة مما ابتلي به لم يسجد إن كان مثله من كل وجه ، أو كان فسق الرائي أقبح ويجري ذلك فيما إذا شاركه في ذلك البلاء م ر ، وفي العباب وشرحه ، أو فاسقا أي ، أو لمن رأى فاسقا قال في الكفاية عن الأصحاب وارتضاه الإسنوي متجاهرا بمعصية وقول الزركشي كالأذرعي المتجه عدم الفرق بين المتجاهر وغيره كما أطلقه الرافعي ؛ لأن القصد التعيير ليرتدع فيتركها ظاهر من [ ص: 218 ] حيث المعنى لما علمت أن المنقول خلافه ويوجه بأن الإخفاء أفاده نوع احترام ألا ترى أنه يجوز غيبة الفاسق المتجاهر بخلاف غيره وسببه حرمة إيذائه ، ثم قال وعدل عن تعبيرهم بالعاصي إلى الفاسق تبعا لكثيرين قال أبو زرعة وغيره وهو متعين عليه فلا سجود لرؤية مرتكب صغيرة وإن أصر إلا إن غلبت معاصيه التي تجاهر بها طاعاته خلافا لمن أطلق السجود لرؤية المصر ؛ لأنه لا يفسق بالإصرار ، بل بالغلبة المذكورة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإنما يسجد لرؤية المبتلى السليم من بلائه ) وكذا فيما يظهر غير السليم منه إذا تفاوتا في نحو القدر ، أو المحل ، أو الألم كأن يكون ما بالمرئي أكثر ، أو في نحو الوجه ، وما بالرائي في نحو الرجل ، أو ألم ما بالمرئي أشد من ألم ما بالرائي وقد يشمل هذا قوله السليم من بلائه وكذا يقال : في العاصي إذا رأى عاصيا فإن كان ما بالمرئي أقبح سجد وإلا فلا ، والكلام إذا قصد بالسجود السلامة مما به فإن قصد السجود لزجره فلا يبعد طلبه مطلقا ونظيره أن مرتكب المنكر ينهى عن المنكر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لأن سببها ) إلى المتن في المغني وإلى قوله وقول الخوارزمي في النهاية إلا قوله وإن توقعها قبل وقوله كذا قيل إلى وأما إخراج وقوله لفقير .

                                                                                                                              ( قوله من حيث لا يحتسب ) قضيته أنه لو كان يتوقعها وحصلت له في الوقت الذي يتوقعها فيه لم يسجد وفي الزيادي خلافه عبارته سواء أكان يتوقعها قبل ذلك أم لا ويصرح بما اقتضاه كلامه قوله الآتي وبالأخير إلخ ع ش ولعل ما نقله عن الزيادي هو الأقرب الموافق لقول الشارح وإن توقعها قبل ، وأما قوله ويصرح إلخ ففي حيز المنع ( قوله أو لنحو ولده ) أي كأخيه وشيخه وتلميذه ( قوله أو لعموم المسلمين ) أي كالمطر عند القحط بجيرمي أي ونصرة عساكر الإسلام على الكفار ( قوله لا يحتسب ) أي لا يدري نهاية ومغني ( قوله كولد ) أي ولو ميتا قد نفخت فيه الروح ؛ لأنه ينفعه في الآخرة شوبري ا هـ كردي وبجيرمي ( قوله كولد ) أي أو نحو أخ شرح بافضل و ع ش ( قوله أو مال ) قد يقال قياسه الوظيفة الدنيوية سم ( قوله وما بعده إلخ ) وصورته في الجاه أن لا يكون منصب ظلم وفي النصر أن لا يكون العدو محقا وفي قدوم الغائب أن لا يكون بحيث يترتب على قدومه مفسدة وفي شفاء المريض أن لا يكون نحو ظالم وكذا يعتبر في الولد أن لا يكون فيه شبهة رشيدي ( قوله عن القيدين إلخ ) هما ظاهرة ومن حيث لا يحتسب ع ش ( قوله مفاجأة وقوعه ) أي حدوثه نهاية ومغني ( قوله وبالظهور أن يكون له وقع إلخ ) يوافقه ما نقل عن الإمام أنه يشترط في النعمة أن يكون لها بال وبسط الشارح تأييد هذا ورد ما قاله شيخ الإسلام تبعا لابن العماد مما حاصله أن المراد الظهور للناس في شرح العباب نقلا ومعنى سم .

                                                                                                                              ( قوله وبالأخير ) وهو قوله من حيث لا يحتسب ( قوله لكنه كذلك ) أي لا ينسب إليه عادة أي لوجود الوطء في كثير مع عدم وجود الولد قال في الإيعاب وأيضا فهو وإن تسبب في أصل الولد فلا تسبب له في خلقه ونفخ الروح فيه وسلامته حيا إلى الولادة كردي ( قوله أو عمن ذكر ) أي عن نحو ولده وعموم المسلمين ( قوله ظاهرة ) صفة نقمة و ( قوله من حيث إلخ ) المناسب تعلقه باندفاع سم ( قوله كذلك ) أي وإن توقعه قبل ( قوله فيهما ) أي في حدوث النعمة واندفاع النقمة و ( قوله كالإسلام والعافية ) نشر مرتب ( قوله والعافية ) أي للصحيح ع ش ( قوله لأنه إلخ ) أي السجود لاستمرارهما ( قوله بقيديه إلخ ) وهما الظهور والكون من حيث لا يحتسب ( قوله بالظهور إلخ ) وقوله الآتي وبالأخير إلخ عطف على قوله بالهجوم إلخ ( قوله لفقير ) [ ص: 217 ] أسقطه النهاية وقال ع ش قوله م ر كحدوث درهم أي لغير المحتاج إليه ا هـ ولعل هذا هو الأقرب .

                                                                                                                              ( قوله وأما إخراج الباطنة إلخ ) وممن أخرجها شيخ الإسلام والمغني ( قوله فالذي يتجه إلخ ) معتمد ع ش ( قوله لذلك ) أي لكل من هجوم النعمة وهجوم اندفاع النقمة ( قوله وعلم ) أي من ليس إلخ ( قوله وعلم بالحال ) ينبغي أن يكون محله فيمن لم يعلم منه أنه لا يؤثر عنده ذلك بالكلية لمزيد كماله بصري ( قوله أو صلاة ) الأنسب وصلاة كما عبر به في الروض تبعا للمجموع بصري عبارة المغني ( خاتمة ) يسن مع سجدة الشكر كما في المجموع الصدقة والصلاة للشكر وقال الخوارزمي لو أقام التصدق أو صلاة ركعتين مقام السجود كان حسنا ا هـ وقوله للشكر قد يوهم أنه ينوي بالصلاة الشكر لكن في ع ش خلافه عبارته قوله أو صلاة أي بنية التطوع لا بنية الشكر أخذا مما ذكره في الاستسقاء من أنه ليس لنا صلاة سببها الشكر ا هـ قول المتن ( أو رؤية مبتلى ) أي ولو غير آدمي مبتلى بما يحصل للآدمي في العادة فيما يظهر سم و ع ش ( قوله في عقله أو بدنه ) أي أو نحوهما نهاية ومغني ( قوله لخبر الحاكم إلخ ) والأولى عطفه على قوله شكرا إلخ كما في المغني ( قوله وفي خبر مرسل إلخ ) أي واعتضد بشواهد أكدته نهاية ( قوله أن يقول إلخ ) أي سرا بحيث أن لا يسمع المبتلى كردي عبارة البصري قوله أن يقول الحمد لله إلخ ينبغي أن لا يسمعه أخذا مما يأتي وأن يقوله من رأى العاصي وأن يقوله بحيث يسمعه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو رؤية عاص ) وينبغي أو رؤية مرتكب خارم المروءة ع ش ( قوله أي كافر ) أي ولو تكررت رؤيته أما لو رأى جملة من الكفار دفعة فيكفي لرؤيتهم سجدة واحدة ع ش ( قوله أو فاسق ) أي فلا يجوز لرؤية مرتكب الصغيرة حيث لا إصرار لعدم فسقه وجرى على هذا شيخ الإسلام والشارح في شرحي الإرشاد والعباب أي والمغني وجرى الجمال الرملي على أنه يسجد لرؤية مرتكب الصغيرة المتجاهر مطلقا ونقله عن والده ، ووافقه الزيادي وغيره كردي وقوله وجرى الجمال الرملي إلخ عبارة النهاية ولا يشترط في معصيته التي يتجاهر بها كونها كبيرة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ا هـ قال ع ش قوله م ر كونها كبيرة أي فيسجد للصغيرة وإن لم يصر عليها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله متجاهر ) أي بخلاف من لم يتجاهر بمعصيته أو لم يفسق بها بأن كانت صغيرة ولم يصر عليها فلا يسجد لرؤيته مغني قال ع ش ومن التجاهر بالمعصية لبس القواويق القطيفة للرجال لحرمة استعمالهم الحرير وللنساء لما فيه من التشبه بالرجال .

                                                                                                                              ( فائدة ) ينبغي فيما لو اختلفت عقيدة الرائي والعاصي أن العبرة في استحباب السجود بعقيدة الرائي وفي إظهار السجود بعقيدة المرئي فإن الغرض من إظهاره زجره عن المعصية ولا ينزجر بذلك إلا حيث اعتقد أن فعله معصية ع ش ( قوله قال الأذرعي إلخ ) لم يرتض به النهاية والمغني وشيخ الإسلام وشرطوا الإعلان والتجاهر وكذا الشارح في الإيعاب عبارة سم وفي العباب وشرحه أو فاسقا أي لمن رأى فاسقا قال في الكفاية عن الأصحاب وارتضاه الإسنوي متجاهرا بمعصيته وقول الزركشي كالأذرعي المتجه عدم الفرق بين المتجاهر وغيره كما أطلقه الرافعي ظاهر من حيث المعنى لما علمت أن المنقول خلافه ويوجه بأن الإخفاء أفاده نوع احترام ألا ترى أنه يجوز غيبة الفاسق المتجاهر بخلاف غيره ثم قال وعدل عن تعبيرهم بالعاصي إلى الفاسق تبعا لكثيرين .

                                                                                                                              قال أبو زرعة وغيره وهو متعين وعليه فلا سجود لمرتكب صغيرة وإن أصر إلا إن غلبت معاصيه التي تجاهر بها طاعاته خلافا لمن أطلق لرؤية المصر ؛ لأنه لا يفسق بالإصرار بل بالغلبة المذكورة [ ص: 218 ] انتهى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لأن مصيبة الدين إلخ ) تعليل لقول المتن أو عاص ( قوله وإنما يسجد لرؤية المبتلى السليم إلخ ) وكذا فيما يظهر غير السليم منه إذا تفاوتا في نحو القدر أو المحل أو الألم كأن يكون ما بالمرئي أكثر أو في نحو الوجه وما بالرائي في نحو الرجل أو ألم ما بالمرئي أشد من ألم ما بالرائي ، وقد يشمل هذا قوله السليم من بلائه وكذا يقال في العاصي إذا رأى عاصيا فإن كان ما بالمرئي أقبح سجد وإلا فلا والكلام إذا قصد بالسجود السلامة مما به فإن قصد السجود لزجره فلا يبعد طلبه مطلقا ونظيره أن مرتكب المنكر ينهى عن المنكر سم عبارة المغني والأولى أن يقال إن كان ذلك البلاء من غير نوع بلائه أو منه وهو أزيد أو كان ذلك الفسق من غير نوع فسقه أو منه وهو أزيد سجد وإلا فلا ا هـ ويأتي عن النهاية ما يوافقه أيضا ( قوله والمراد ) إلى قوله ولا يلزم في المغني وإلى المتن في النهاية ( قوله بإزائه ) أي إزاء أحدهما أي المبتلى والعاصي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية