الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو بان أن إمامه لم يكبر للإحرام بطلت صلاته ; لأنها لا تخفى غالبا ، أو كبر ولم ينو فلا ، قاله في المجموع . قال الحناطي وغيره ولو أحرم بإحرامه ثم كبر ثانيا بنية ثانية سرا بحيث لم يسمع المأموم لم يضر في صحة الاقتداء ، وإن بطلت صلاة الإمام : أي ; لأن هذا مما يخفى ، ولا أمارة عليه ، ولو بان إمامه قادرا على القيام فكما لو بان أميا كما صرح به ابن المقري هنا في روضه وهو المعتمد .

                                                                                                                            ولا يخالفه ما اقتضاه كلامه كأصله في خطبة الجمعة أنه لو خطب جالسا وبان قادرا فكمن بان جنبا ; لأن الفرق بينهما كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى أن القيام هنا ركن وثم شرط ، ويغتفر في الشرط ما لا يغتفر في الركن ( لا ) إن بان إمامه ( جنبا ) أو محدثا ( أو ذا نجاسة خفية ) في بدنه أو ملاقيه أو ثوبه ولو في جمعة إن كان زائدا على [ ص: 177 ] الأربعين كما سيأتي ; لعدم الأمارة على ذلك فلا تقصير ، ولهذا لو علم بذلك ثم اقتدى به ناسيا ولم يحتمل تطهيره لزمته الإعادة وخرج بالخفية الظاهرة فتلزمه معها الإعادة ; لتقصيره كما جرى عليه الروياني وغيره ، حمل المصنف في تصحيحه كلام التنبيه عليه . وقال في المجموع : إنه أقوى ، وهو المعتمد ، وإن صحح في تحقيقه عدم الفرق بين الظاهرة والخفية في عدم وجوب الإعادة . وقال الإسنوي : إنه الصحيح المشهور .

                                                                                                                            والخفية هي التي بباطن الثوب ، والظاهرة ما تكون بظاهره . نعم لو كانت بعمامته وأمكنه رؤيتها إذا قام غير أنه صلى جالسا لعجزه فلم يمكنه رؤيتها لم يقض ; لأن فرضه الجلوس فلا تفريط منه ، بخلاف ما إذا كانت ظاهرة واشتغل عنها بالصلاة أو لم يرها لبعده عن الإمام فإنه تجب الإعادة ، ذكر ذلك الروياني .

                                                                                                                            قال الأذرعي وغيره : ومقتضى ذلك الفرق بين المقتضى الأعمى والبصير : أي حتى لا يجب القضاء على الأعمى مطلقا ; لأنه معذور بعدم المشاهدة وهو كما قال : الأولى الضبط بما في الأنوار أن الظاهرة ما تكون بحيث لو تأملها المأموم أبصرها والخفية بخلافها ، فلا فرق بين من يصلي قائما أو جالسا [ ص: 178 ] وأخذ الوالد رحمه الله تعالى من الفرق بين النجاسة الخفية والظاهرة قياسا أنه لو سجد على كمه الذي يتحرك بحركته لزم المأموم الإعادة إن كان بحيث لو تأمل إمامه أبصر ذلك ، وإلا فلا تلزمه ( قلت : الأصح المنصوص ، وقول الجمهور إن مخفي الكفر هنا كمعلنه ) ، وإن قال في الروضة إن الأقوى دليلا عدم وجوب القضاء ( والله أعلم ) [ ص: 179 ] لأن الكافر غير أهل للصلاة بحال بخلاف غيره .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بطلت صلاته ) أي تبين عدم انعقادها لا أنها كانت انعقدت ثم بطلت فتلزمه الإعادة ( قوله : لأنها لا تخفى غالبا ) أي ولو كان بعيدا عنه فإنه يفرض قريبا منه ( قوله : أو كبر ولم ينو فلا ) أي ; لأن النية محلها القلب ، وما فيه لا يطلع عليه ( قوله : ثم كبر ثانيا ) أي الإمام فتلزمه الإعادة . ( قوله : لم يضر في صحة الاقتداء ) أي ولو في الجمعة حيث كان زائدا على الأربعين كما لو بان إمامها محدثا ، وأما الإمام فإنه لم ينو قطع الأولى مثلا بين التكبيرتين فصلاته باطلة لخروجه بالثانية ، وإلا فصلاته صحيحة فرادى لعدم تجديد نية الاقتداء به من القوم ، فلو حضر بعد نيته من اقتدى به ونوى الإمامة حصلت له الجماعة ، وعليه فإن كان في الجمعة لا تنعقد له لفوات الجماعة فيها . ( قوله : وإن بطلت صلاة الإمام ) أي ; لأنه يدخل في الصلاة بالأوتار ويخرج بالأشفاع وهذه منها ، ومحل البطلان للثانية إذا لم يوجد بينهما مبطل للأولى كنيته قطعها ( قوله : ولو بان إمامه ) أي إمامه المصلي قاعدا ، وقوله وهو المعتمد : أي خلافا لما في العباب ( قوله : لأن الفرق بينهما ) قضية هذا الفرق أنه لو تبين قدرة الإمام المصلي عاريا على السترة عدم وجوب الإعادة ، وهو ما نقله سم على منهج عن حج وأقره ، لكن في حاشية شيخنا الزيادي عن والد الشارح خلافه ، وعبارته : وتبين كون الإمام المصلي قاعدا أو عاريا قادرا على القيام في الأول أو السترة في الثاني كتبين حدثه . ا هـ عباب .

                                                                                                                            والمعتمد وجوب الإعادة كما جزم به ابن المقري في روضة رملي . ا هـ . أقول : وقوله والمعتمد وجوب الإعادة : أي في المسألتين كما هو ظاهر كلامه ، لكن الذي رأيته في متن الروض مسألة القيام فقط دون مسألة السترة ( قوله : أو محدثا ) ظاهره وإن كان عالما بحدث نفسه عند الصلاة وليس ببعيد . ا هـ سم على منهج [ ص: 177 ] قوله : ولم يحتمل تطهيره ) أي عند المأموم بأن لم يتفرقا كما عبر به المحلي ( قوله : لزمته الإعادة ) مفهومه أنه إذا مضى زمن يحتمل فيه الطهارة لا تجب الإعادة على من اقتدى به ، وإن تبين حدثه لعدم تقصيره .

                                                                                                                            ونقل عن الزيادي بهامش أنه أفتى بوجوب الإعادة في هذه ، قال : إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه . ا هـ . ولا يخفى ما فيه ; لأنه لو نظر إلى مثله لزم وجوب الإعادة بتبين الحدث مطلقا ، إذ لا يكاد يوجد إمام لم يعلم عدم حدثه ; لأنه بتقدير أن يراه يتطهر ثم صلى عقب طهره إماما يحتمل خروج حدث منه لم يشعر به المأموم . ( قوله : في تصحيحه ) أي حاشيته على التنبيه ( قوله : نعم لو كانت بعمامته ) أي الإمام وأمكنه : أي المأموم . ( قوله : ومقتضى ذلك ) أي ما ذكره الروياني ( قوله : وهو كما قال ) أي من اقتضائه الفرق مع أن كلام الأصحاب يقتضي التسوية بينهما ، وليس المراد أن الأمر كما قاله من التسوية بينهما بدليل قوله فالأولى إلخ . وعليه فالمستفاد من كلامه حينئذ التسوية بين الأعمى والبصير ، ونقله سم على حج عنه ، لكن في حاشية ابن عبد الحق أن المتجه عدم القضاء على الأعمى مطلقا ، ونقل مثله سم على منهج عن حج وعبارته : قال ابن حجر : والأوجه أنه لا قضاء على الأعمى مطلقا ، وإن كان يعني الخبث ظاهرا لعذره .

                                                                                                                            وقال م ر : المراد ما يكون من شأنها ذلك فيدخل فيها : أي الطاهرة نجاسة بظهر الإمام في حق الأعمى والبعيد عنه فهي ظاهرة في حقها . وقوله بظهر الإمام قضيته أن ما في باطن الثوب لا يجب القضاء معه وهو قضية ما في الشرح أيضا حيث قال : والخفية هي التي بباطن الثوب ( قوله : فالأولى الضبط ) معتمد ( قوله : لو تأملها المأموم أبصرها ) عبارة الزيادي : قوله : رآها مثال لا قيد فلا فرق بين الإدراك بالبصر وغيره من بقية الحواس ( قوله : والخفية بخلافها ) [ ص: 178 ] يدخل فيه ما في باطن الثوب فلا تجب الإعادة ، وهو موافق لما قدمه في ضبط الخفية ، لكن قياس فرض البعيد قريبا والأعمى بصيرا أن يفرض الباطن ظاهرا فتجب الإعادة .

                                                                                                                            وعليه فيصير الحاصل أن الظاهرة هي العينية ، والخفية هي الحكمية ، وأنه لا فرق بين القريب والبعيد ولا بين القائم والقاعد ولا بين الأعمى والبصير ولا بين باطن الثوب وظاهره ، لكن ينافي ضبط الظاهرة والخفية بما ذكر قول حج في الإيعاب ، وواضح أن التفصيل إنما هو في الخبث العيني دون الحكمي ; لأنه لا يرى فلا تقصير فيه مطلقا انتهى رحمه الله .

                                                                                                                            [ فائدة ] يجب على الإمام إذا كانت النجاسة ظاهرة إخبار المأموم بذلك البعيد صلاته أخذا من قولهم لو رأى على ثوب مصل نجاسة وجب إخباره بها وإن لم يكن آثما .

                                                                                                                            ومن قولهم لو رأى صبيا يزني بصبية وجب منعه من ذلك ; لأن النهي عن المنكر لا يتوقف على علم من أريد نهيه ( قوله : لزم المأموم الإعادة إن كان إلخ ) مفهومه أنه إن كان بحيث لو تأملها لم يرها لبعده عدم وجوب القضاء ، وفيه نظر بناء على فرض الأعمى بصيرا وفرض البعيد قريبا ; لأن هذا لو فرض قربه من الإمام وتأمل رأى فليتأمل ( قوله : قلت الأصح ) أي الراجح ( قوله : إن مخفي الكفر هنا إلخ ) إنما قيد بهنا ; لأنهم في غير هذا المحل فرقوا بين مخفي الكفر ومعلنه ، ومنه ما قالوه في الشهادات أنه لو شهد حال [ ص: 179 ] كفره وردت شهادته ثم أسلم فأعادها فإن كان ظاهر الكفر قبلت الإعادة منه ، وإن كان مخفيا له فلا يقبل لاتهامه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 177 ] قوله : نعم لو كانت بعمامته ) أي أو نحو صدره كما هو ظاهر ( قوله : ذكر ذلك الروياني ) أي قوله والخفية هي التي بباطن الثوب إلخ ، فالإشارة راجعة إلى الاستدراك والمستدرك عليه فإن أصل الضابط للروياني ( قوله : فلا فرق بين من يصلي قائما وجالسا ) فيه منافاة مع الذي قبله ، وهو تابع في هذا للشهاب حج في تحفته بعد أن تبع شرح الروض في جميع المذكور قبله فإنه منه حرفا بحرف ، لكن الشهاب المذكور إنما عقب ضابط الأنوار بذلك بناء على ما فهمه منه من أن مراده بقوله بحيث لو تأملها المأموم : أي مطلقا سواء كان على الحالة التي هو عليها من جلوسه وقيام الإمام مثلا ، أم على غيرها بأن نفرضه قائما إذا كان جالسا أو نحو ذلك حتى تلزمه الإعادة وإن كانت بنحو عمامته وهو قائم والمأموم جالس لعجزه ; لأنا لو فرضنا قيامه وتأملها لرآها ، وشيخ الإسلام في شرح الروض فهم منه أن مراده أن يكون المأموم بحيث لو تأملها على الحالة التي هو عليها لرآها فلا يفرض على حالة [ ص: 178 ] غيرها حتى لا تلزمه الإعادة في نحو الصورة التي قدمناها ، فمؤدى ضابط الأنوار وضابط الروياني عنده واحد بناء على فهمه المذكور ، ومن ثم فرع الثاني على الأول بالفاء معبرا عنه بقوله الأولى ولم يقل الأصح أو نحوه ، وإنما كان الأولى ; لأنه لا يحتاج إلى استثناء شيء منه مما استثني من ضابط الروياني فهو أضبط .

                                                                                                                            والشهاب المذكور لما فهم المغايرة بين الضابطين كما قررناه عبر عن ضابط الأنوار بقوله والأوجه في ضبط الظاهرة أن تكون بحيث لو تأملها المأموم لرآها ، ولم يقل الأولى كما قال في شرح الروض ، ثم قال : وفرق الروياني بين من لم يرها لبعده أو اشتغاله بصلاته فيعيد ومن لم يرها لكونها بعمامته ويمكنه رؤيتها إذا قام فجلس عجز إلى آخر ما ذكره رحمه الله ، لكنه استثنى من عموم ذلك الأعمى ، قال : لعدم تقصيره بوجه ، والشارح رحمه الله تعالى تبع شرح الروض أولا كما عرفت ، ثم ختمه بقول الشهاب المذكور فلا فرق إلخ فنافاه .

                                                                                                                            وممن صرح بأن مؤدى الضابطين واحد والد الشارح في فتاويه ، لكن مع قطع النظر هما استثناه الروياني من ضابطه لضعفه عنده ، فمساواته له عنده إنما هو بالنظر لأصل الضابط ، فهو موافق للشهاب المذكور في المعنى والحكم وإن خالفه في الصنيع ، وموافق لما في شرح الروض في الصنيع ومخالف له في الحكم ، كما يعلم بسوق عبارة فتاويه ونصها : سئل عن مصل في ظاهر ثوبه أو على صدره أو ثوبه من قدامه نجاسة أو كان المأموم بعيدا عن إمامه هل حكمها حكم النجاسة الخفية حتى لا يلزم المأموم القضاء ; لأن النجاسة المذكورة مما تخفى عن المأموم خصوصا إن دخل المسجد بعد تحرمه ؟ فأجاب بأن النجاسة المذكورة ظاهرة كما صرح به الروياني إذ لا يخلو عن تقصير ، والنجاسة الظاهرة أن تكون بحيث لو تأملها أبصرها بأن كانت في ظاهر الثوب والخفية بخلافها انتهت .

                                                                                                                            فقد صرح برجوع كل من الضابطين إلى الآخر ، لكن في عزوه ما صدر به الجواب لتصريح الروياني نظر ظاهر كما مر من استثنائه المذكور .

                                                                                                                            وبالجملة فالشارح لم يظهر من كلامه هنا ما هو معتمد عنده في المسألة ، لكن نقل عنه الشهاب سم ما يوافق ما في فتاوى والده الموافق [ ص: 179 ] للشهاب حج ، وهو الذي انحط عليه كلامه هنا آخرا وإن لم يلائم ما قبله كما عرفت ، وإنما أطلت الكلام هنا لمحل الحاجة مع اشتباه هذا المقام على كثير وعدم وقوفي على من حققه حقه .




                                                                                                                            الخدمات العلمية