(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28973وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) : مناسبة هذه الآية لما قبلها ، أنه لما جرى ذكر
الكعبة والقبلة ، وأن
اليهود عيروا المؤمنين بتوجههم إلى
الكعبة وترك
بيت المقدس ، كما قال : " ما ولاهم عن قبلتهم " ، ذكر حديث
إبراهيم وما ابتلاه به الله ، واستطرد إلى ذكر
البيت وكيفية بنائه ، وأنهم لما كانوا من نسل
إبراهيم ، كان ينبغي أن يكونوا أكثر الناس اتباعا لشرعه ، واقتفاء لآثاره . فكان تعظيم
البيت لازما لهم ، فنبه الله بذلك على سوء اعتمادهم ، وكثرة مخالفتهم ، وخروجهم عن سنن من ينبغي اتباعه من آبائهم ، وأنهم وإن كانوا من نسله ، لا ينالون لظلمهم شيئا من عهده ، وإذ العامل فيه على ما ذكروا محذوف ، وقدروه اذكر ، أي : اذكرا إذ ابتلي
إبراهيم ، فيكون مفعولا به ، أو إذ ابتلاه كان كيت وكيت . وقد تقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة " ، والاختيار أن يكون العامل فيه ملفوظا به ، وهو "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124قال إني جاعلك " . والابتلاء : الاختبار ، ومعناه أنه كلفه بأوامر ونواه . والباري تعالى عالم بما يكون منه . وقيل : معناه أمر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين : ما يريد الله ، وما يشتهيه العبد ، كأنه امتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك . انتهى كلامه ، وفيه دسيسة الاعتزال . وفي ري الظمآن : الابتلاء إظهار الفعل ، والاختبار طلب الخبر ، وهما متلازمان .
وإبراهيم هنا ، وفي جميع القرآن هو الجد الحادي والثلاثون لنبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو
خليل الله ، ابن تارح بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر ، وهو
هود النبي - عليه السلام - ، ومولده
بأرض الأهواز . وقيل :
بكوثى ، وقيل :
ببابل ، وقيل :
بنجران ، ونقله أبوه إلى
بابل أرض
نمروذ بن كنعان . وقد تقدم ذكر اللغات الست في لفظه . وقرأ الجمهور
إبراهيم بالألف والياء . وقرأ
ابن عامر بخلاف ، عن
ابن ذكوان في البقرة بألفين . زاد
هشام أنه قرأ كذلك في : إبراهيم ، والنحل ، ومريم ، والشورى ، والذاريات ، والنجم ، والحديد ، وأول الممتحنة ، وثلاث آخر النساء ، وأخرى التوبة ، وآخر الأنعام ، والعنكبوت . وقرأ
المفضل : إبراهام بألفين ، إلا في المودة والأعلى . وقرأ
ابن الزبير : إبراهام ، وقرأ
أبو بكرة : إبراهم بألف وحذف الياء وكسر الهاء . وقرأ الجمهور : بنصب
إبراهيم ورفع ربه . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأبو الشعثاء [ ص: 375 ] وأبو حنيفة برفع
إبراهيم ونصب ربه . فقراءة الجمهور على أن الفاعل هو الرب ، وتقدم معنى ابتلائه إياه . قال
ابن عطية : وقدم المفعول للاهتمام بمن وقع الابتلاء ، إذ معلوم أن الله تعالى هو المبتلي . وإيصال ضمير المفعول بالفاعل موجب لتقديم المفعول . انتهى كلامه ، وفيه بعض تلخيص . وكونه مما يجب فيه تقديم الفاعل هو قول الجمهور . وقد جاء في كلام العرب مثل : ضرب غلامه زيدا ، وقال : وقاس عليه بعض النحويين ، وتأول بعضه الجمهور ، أو حمله على الشذوذ . وقد طول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في هذه المسألة بما يوقف عليه من كلامه في الكشاف ، وليست من المسائل التي يطول فيها لشهرتها في العربية . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : معناها أنه دعا ربه بكلمات من الدعاء يتطلب فيها الإجابة ، فأطلق على ذلك ابتلاء على سبيل المجاز لأن في الدعاء طلب استكشاف لما تجري به المقادير على الإنسان . والكلمات لم تبين في القرآن ما هي ، ولا في الحديث الصحيح ، وللمفسرين فيها أقوال : الأول : روى
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها
nindex.php?page=treesubj&link=781_756_25492_761_751_736العشرة التي من الفطرة : المضمضة ، والاستنشاق ، وقص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والفرق ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والاستطابة ، والختان ، وهذا قول
قتادة . الثاني عشر : وهي : حلق العانة ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب ، وغسل يوم الجمعة ، والطواف بالبيت ، والسعي ، ورمي الجمار ، والإفاضة . وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا . الثالث : ثلاثون سهما في الإسلام ، لم يتم ذلك أحد إلا
إبراهيم ، وهي عشر في براءة ( التائبون ) الآية ، وعشر في الأحزاب (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35إن المسلمين ) الآية ، وعشر في (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح ) وفي المعارج . وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا . الرابع : هي الخصال الست التي امتحن بها الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان . وقيل : بدل الهجرة الذبح لولده ، قاله
الحسن . الخامس : مناسك الحج ، رواه
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . السادس : كل مسألة سألها
إبراهيم في القرآن مثل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رب اجعل هذا البلد آمنا ) ، قاله
مقاتل . السابع : هي قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وقوله : " ربنا تقبل منا " ، قاله
ابن جبير . الثامن : هو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وحاجه قومه ) ، قاله
يمان . التاسع : هي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين ) الآيات ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15451أبو روق . العاشر : هي ما ابتلاه به في ماله وولده ونفسه ، فسلم ماله للضيفان ، وولده للقربان ، ونفسه للنيران ، وقلبه للرحمن ، فاتخذه الله خليلا . الحادي عشر : هو أن الله أوحى إليه أن تطهر فتمضمض ، ثم أن تطهر فاستنشق ، ثم أن تطهر فاستاك ، ثم أن تطهر فأخذ من شاربه ، ثم أن تطهر ففرق شعره ، ثم أن تطهر فاستنجى ، ثم أن تطهر فحلق عانته ، ثم أن تطهر فنتف إبطه ، ثم أن تطهر فقلم أظفاره ، ثم أن تطهر فأقبل على جسده ينظر ماذا يصنع ، فاختتن بعد عشرين ومائة سنة . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم ، وأوحى الله إليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124إني جاعلك للناس إماما ) ، يأتمون بك في هذه الخصال ويقتدي بك الصالحون . فإن صحت تلك الرواية ، فالتأويل أنه اختتن بعد عشرين ومائة سنة من ميلاده ، وابن ثمانين سنة من وقت نبوته ، فيتفق التاريخان ، والله أعلم . الثاني عشر : هي عشرة : شهادة أن لا إله إلا الله ، وهي الملة والصلاة ، وهي الفطرة والزكاة ، وهي الطهرة والصوم ، وهو الجنة والحج ، وهو الشعيرة والغزو ، وهو النصرة والطاعة ، وهي العصمة والجماعة ، وهي الألفة والأمر بالمعروف ، وهو الوفاء والنهي عن المنكر ، وهو الحجة . الثالث عشر : هي : تجعلني إماما ، وتجعل البيت مثابة وأمنا ، وترينا مناسكنا ، وتتوب علينا ، وهذا البلد آمنا ، وترزق أهله من الثمرات . فأجابه الله في ذلك بما سأله ، وهذا معنى قول
مجاهد والضحاك . وهذه الأقوال ينبغي أن تحمل على أن كل قائل منها ذكر طائفة مما ابتلى الله به
إبراهيم ، إذ كلها ابتلاه بها ، ولا يحمل ذلك على الحصر في
[ ص: 376 ] العدد ، ولا على التعيين ، لئلا يؤدي ذلك إلى التناقض . وهذه الأشياء التي فسر بها الكلمات ، إن كانت أقوالا ، فذلك ظاهر في تسميتها كلمات ، وإن كانت أفعالا ، فيكون إطلاق الكلمات عليها مجازا ; لأن التكاليف الفعلية صدرت عن الأوامر ، والأوامر كلمات . سميت الذات كلمة لبروزها عن كلمة كن . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وكلمته ألقاها إلى مريم ) . وقد تكلم بعض المفسرين في أحكام ما شرحت به الكلمات من : المضمضة ، والاستنشاق ، وقص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والفرق ، والسدل ، والسواك ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ، والاستنجاء ، والختان ، والشيب وتغييره ، والثريد ، والضيافة . وهذا يبحث فيه في علم الفقه ، وليس كتابنا موضوعا لذلك ، فلذلك تركنا الكلام على ذلك .
فأتمهن : الضمير المستكن في فأتمهن يظهر أنه يعود إلى الله تعالى ; لأنه هو المسند إليه الفعل قبله على طريق الفاعلية . فأتمهن معطوف على ابتلى ، فالمناسب التطابق في الضمير . وعلى هذا فالمعنى : أي أكملهن له من غير نقص ، أو بينهن ، والبيان به يتم المعنى ويظهر ، أو يسر له العمل بهن وقواه على إتمامهن ، أو أتم له أجورهن ، أو أدامهن سنة فيه وفي عقبه إلى يوم الدين ، أقوال خمسة . ويحتمل أن يعود الضمير المستكن على
إبراهيم . فالمعنى على هذا أدامهن ، أو أقام بهن ، قاله
الضحاك ; أو عمل بهن ، قاله يمان ; أو وفى بهن ، قاله
الربيع ، أو أداهن ، قاله
قتادة . خمسة أقوال تقرب من الترادف ; إذ محصولها أنه أتى بهن على الوجه المأمور به . واختلفوا في هذا الابتلاء ، هل كان قبل نبوته أو بعدها ؟ فقال
القاضي : كان قبل النبوة ; لأنه نبه على أن قيامه بهن كالسبب ; لأنه جعله إماما ، والسبب مقدم على المسبب ، فوجب كون الابتلاء مقدما في الوجود على صيرورته إماما . وقال آخرون : إنه بعد النبوة ; لأنه لا يعلم كونه مكلفا بتلك التكاليف إلا من الوحي ، فلا بد من تقدم الوحي على معرفته بكونه كذلك . أجاب
القاضي : بأنه يحتمل أنه أوحى إليه على لسان
جبريل بهذه التكاليف الشاقة ، فلما تمم ذلك ، جعله نبيا مبعوثا إلى الخلق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124قال إني جاعلك ) : تقدم أن الاختيار في قال : أنها عاملة في إذ ، وإذا جعلنا العامل في إذ محذوفا ، كانت قال استئنافا ، فكأنه قيل : فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات ؟ فقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124قال إني جاعلك للناس إماما ) . وعلى اختيار أن يكون " قال " هو العامل في إذ ، يكون " قال " جملة معطوفة على ما قبلها ، أي وقال إني جاعلك للناس إماما ; إذ ابتلاه ، ويجوز أن يكون بيانا لقوله : ابتلى ، وتفسيرا له . للناس : يجوز أن يراد بهم أمته الذين اتبعوه ، ويجوز أن يراد به جميع المؤمنين من الأمم ، ويكون ذلك في عقائد التوحيد وفيما وافق من شرائعهم . وللناس : في موضع الحال ; لأنه نعت نكرة تقدم عليها ، التقدير : إماما كائنا للناس ، قالوا : ويحتمل أن يكون متعلقا ب " جاعلك " ، أي لأجل الناس . وجاعل هنا بمعنى مصير ، فيتعدى لاثنين ، الأول : الكاف الذي أضيف إليها اسم الفاعل ، والثاني : إماما . قيل : قال أهل التحقيق : والمراد بالإمام هنا : النبي ، أي : صاحب شرع متبع ; لأنه لو كان تبعا لرسول لكان مأموما لذلك الرسول لا إماما له . ولأن لفظ الإمام يدل على أنه إمام في كل شيء ، ومن يكون كذلك لا يكون إلا نبيا ; ولأن الأنبياء من حيث يجب على الخلق اتباعهم هم أئمة ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ) . والخلفاء أيضا أئمة ، وكذلك القضاة والفقهاء والمصلي بالناس ، ومن يؤتم به في الباطل . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) . فلما تناول الاسم هؤلاء كلهم وجب أن يحمل هنا على أشرف المراتب وأعلاها ; لأنه ذكره في معرض الامتنان ، فلا بد أن يكون أعظم نعمة ، ولا شيء أعظم من النبوة .
قال ومن ذريتي ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : عطف على الكاف ، كأنه قال : وجاعل بعض ذريتي ، كما يقال لك : سأكرمك ، فتقول : وزيدا . انتهى كلامه . ولا يصح العطف على الكاف ; لأنها مجرورة ، فالعطف عليها لا يكون إلا بإعادة الجار ، ولم
[ ص: 377 ] يعدو ، لأن " من " لا يمكن تقدير الجار مضافا إليها ، لأنها حرف ، فتقديرها بأنها مرادفة لبعض حتى تقدر جاعلا مضافا إليها لا يصح ، ولا يصح أن تكون تقدير العطف من باب العطف على موضع الكاف ; لأنه نصب ، فيجعل " من " في موضع نصب ; لأن هذا ليس مما يعطف فيه على الموضع ، على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ; لفوات المحرز ، وليس نظير : سأكرمك ، فتقول : وزيدا لأن الكاف هنا في موضع نصب . والذي يقتضيه المعنى أن يكون من ذريتي متعلقا بمحذوف ، التقدير : واجعل من ذريتي إماما ; لأن
إبراهيم فهم من قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124إني جاعلك للناس إماما " الاختصاص ، فسأل الله تعالى أن يجعل من ذريته إماما . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت : ذريتي بالكسر في الذال . وقرأ
أبو جعفر بفتحها . وقرأ الجمهور بالضم ، وذكرنا أنها لغات فيها ، ومن أي شيء اشتقت حين تكلمنا على المفردات .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28973وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) : مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا ، أَنَّهُ لَمَّا جَرَى ذِكْرُ
الْكَعْبَةِ وَالْقِبْلَةِ ، وَأَنَّ
الْيَهُودَ عَيَّرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِتَوَجُّهِهِمْ إِلَى
الْكَعْبَةِ وَتَرْكِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، كَمَا قَالَ : " مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ " ، ذَكَرَ حَدِيثَ
إِبْرَاهِيمَ وَمَا ابْتَلَاهُ بِهِ اللَّهُ ، وَاسْتَطْرَدَ إِلَى ذِكْرِ
الْبَيْتِ وَكَيْفِيَّةِ بِنَائِهِ ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مِنْ نَسْلِ
إِبْرَاهِيمَ ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِشَرْعِهِ ، وَاقْتِفَاءً لِآثَارِهِ . فَكَانَ تَعْظِيمُ
الْبَيْتِ لَازِمًا لَهُمْ ، فَنَبَّهَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَلَى سُوءِ اعْتِمَادِهِمْ ، وَكَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِمْ ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ سُنَنِ مَنْ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ مِنْ آبَائِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ نَسْلِهِ ، لَا يَنَالُونَ لِظُلْمِهِمْ شَيْئًا مِنْ عَهْدِهِ ، وَإِذِ الْعَامِلُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا مَحْذُوفٌ ، وَقَدَّرُوهُ اذْكُرْ ، أَيِ : اذْكُرَا إِذِ ابْتُلِيَ
إِبْرَاهِيمُ ، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ ، أَوْ إِذِ ابْتَلَاهُ كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ " ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَلْفُوظًا بِهِ ، وَهُوَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ " . وَالِابْتِلَاءُ : الِاخْتِبَارُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَلَّفَهُ بِأَوَامِرَ وَنَوَاهٍ . وَالْبَارِي تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا يَكُونُ مِنْهُ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَمَرَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَاخْتِبَارُ اللَّهِ عَبْدَهُ مَجَازٌ عَنْ تَمْكِينِهِ مِنَ اخْتِيَارِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ : مَا يُرِيدُ اللَّهُ ، وَمَا يَشْتَهِيهِ الْعَبْدُ ، كَأَنَّهُ امْتَحَنَهُ مَا يَكُونُ مِنْهُ حَتَّى يُجَازِيَهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ . انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ . وَفِي رَيِّ الظَّمْآنِ : الِابْتِلَاءُ إِظْهَارُ الْفِعْلِ ، وَالِاخْتِبَارُ طَلَبُ الْخَبَرِ ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ .
وَإِبْرَاهِيمُ هُنَا ، وَفِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ هُوَ الْجَدُّ الْحَادِيُ وَالثَّلَاثُونَ لِنَبِيِّنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
خَلِيلُ اللَّهِ ، ابْنُ تَارَحَ بْنِ نَاحُورَ بْنِ سَارُوغَ بْنِ أَرْغُوَ بْنِ فَالَغَ بْنِ عَابَرَ ، وَهُوَ
هُودٌ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَمَوْلِدُهُ
بِأَرْضِ الْأَهْوَازِ . وَقِيلَ :
بِكُوثَى ، وَقِيلَ :
بِبَابِلَ ، وَقِيلَ :
بِنَجْرَانَ ، وَنَقَلَهُ أَبُوهُ إِلَى
بَابِلَ أَرْضِ
نُمْرُوذَ بْنِ كَنْعَانَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اللُّغَاتِ السِّتِّ فِي لَفْظِهِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ
إِبْرَاهِيمَ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ . وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ بِخِلَافٍ ، عَنِ
ابْنِ ذَكْوَانَ فِي الْبَقَرَةِ بِأَلِفَيْنِ . زَادَ
هِشَامٌ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ فِي : إِبْرَاهِيمَ ، وَالنَّحْلِ ، وَمَرْيَمَ ، وَالشُّورَى ، وَالذَّارِيَاتِ ، وَالنَّجْمِ ، وَالْحَدِيدِ ، وَأَوَّلِ الْمُمْتَحَنَةِ ، وَثَلَاثِ آخِرِ النِّسَاءِ ، وَأُخْرَى التَّوْبَةِ ، وَآخِرِ الْأَنْعَامِ ، وَالْعَنْكَبُوتِ . وَقَرَأَ
الْمُفَضَّلُ : إِبْرَاهَامَ بِأَلِفَيْنِ ، إِلَّا فِي الْمَوَدَّةِ وَالْأَعْلَى . وَقَرَأَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ : إِبْرَاهَامَ ، وَقَرَأَ
أَبُو بَكْرَةَ : إِبْرَاهَمَ بِأَلْفٍ وَحَذْفِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِنَصْبِ
إِبْرَاهِيمَ وَرَفْعِ رَبِّهِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَأَبُو الشَّعْثَاءِ [ ص: 375 ] وَأَبُو حَنِيفَةَ بِرَفْعِ
إِبْرَاهِيمَ وَنَصْبِ رَبِّهِ . فَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الرَّبُّ ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ابْتِلَائِهِ إِيَّاهُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ لِلِاهْتِمَامِ بِمَنْ وَقَعَ الِابْتِلَاءُ ، إِذْ مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُبْتَلِي . وَإِيصَالُ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ بِالْفَاعِلِ مُوجِبٌ لِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ . انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ . وَكَوْنُهُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ . وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلِ : ضَرَبَ غُلَامُهُ زَيْدًا ، وَقَالَ : وَقَاسَ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ ، وَتَأَوَّلَ بَعْضَهُ الْجُمْهُورُ ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الشُّذُوذِ . وَقَدْ طَوَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْكَشَّافِ ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُطَوَّلُ فِيهَا لِشُهْرَتِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : مَعْنَاهَا أَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ بِكَلِمَاتٍ مِنَ الدُّعَاءِ يَتَطَلَّبُ فِيهَا الْإِجَابَةَ ، فَأُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ ابْتِلَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ طَلَبَ اسْتِكْشَافٍ لِمَا تَجْرِي بِهِ الْمَقَادِيرُ عَلَى الْإِنْسَانِ . وَالْكَلِمَاتُ لَمْ تُبَيَّنْ فِي الْقُرْآنِ مَا هِيَ ، وَلَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهَا أَقْوَالٌ : الْأَوَّلُ : رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=781_756_25492_761_751_736الْعَشَرَةُ الَّتِي مِنَ الْفِطْرَةِ : الْمَضْمَضَةُ ، وَالِاسْتِنْشَاقُ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَالْفَرْقُ ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وَالِاسْتِطَابَةُ ، وَالْخِتَانُ ، وَهَذَا قَوْلُ
قَتَادَةَ . الثَّانِي عَشَرَ : وَهِيَ : حَلْقُ الْعَانَةِ ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمْعَةِ ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ، وَالسَّعْيُ ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ ، وَالْإِفَاضَةُ . وَرُوِيَ هَذَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا . الثَّالِثُ : ثَلَاثُونَ سَهْمًا فِي الْإِسْلَامِ ، لَمْ يُتِمَّ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا
إِبْرَاهِيمُ ، وَهِيَ عَشْرٌ فِي بَرَاءَةٍ ( التَّائِبُونَ ) الْآيَةَ ، وَعَشْرٌ فِي الْأَحْزَابِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ) الْآيَةَ ، وَعَشْرٌ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ ) وَفِي الْمَعَارِجِ . وَرُوِيَ هَذَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا . الرَّابِعُ : هِيَ الْخِصَالُ السِّتُّ الَّتِي امْتُحِنَ بِهَا الْكَوْكَبُ ، وَالْقَمَرُ ، وَالشَّمْسُ ، وَالنَّارُ ، وَالْهِجْرَةُ ، وَالْخِتَانُ . وَقِيلَ : بَدَلُ الْهِجْرَةِ الذَّبْحُ لِوَلَدِهِ ، قَالَهُ
الْحَسَنُ . الْخَامِسُ : مَنَاسِكُ الْحَجِّ ، رَوَاهُ
قَتَادَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . السَّادِسُ : كُلُّ مَسْأَلَةٍ سَأَلَهَا
إِبْرَاهِيمُ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ) ، قَالَهُ
مُقَاتِلٌ . السَّابِعُ : هِيَ قَوْلُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ . وَقَوْلُهُ : " رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا " ، قَالَهُ
ابْنُ جُبَيْرٍ . الثَّامِنُ : هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ) ، قَالَهُ
يَمَانٌ . التَّاسِعُ : هِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ) الْآيَاتِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15451أَبُو رَوْقٍ . الْعَاشِرُ : هِيَ مَا ابْتَلَاهُ بِهِ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ ، فَسَلَّمَ مَالَهُ لِلضِّيفَانِ ، وَوَلَدَهُ لِلْقُرْبَانِ ، وَنَفْسَهُ لِلنِّيرَانِ ، وَقَلْبَهُ لِلرَّحْمَنِ ، فَاتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا . الْحَادِي عَشَرَ : هُوَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ تَطَهَّرْ فَتَمَضْمَضَ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَاسْتَنْشَقَ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَاسْتَاكَ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَأَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَفَرَقَ شَعْرَهُ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَاسْتَنْجَى ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَحَلَقَ عَانَتَهُ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَنَتَفَ إِبِطَهُ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ ، ثُمَّ أَنْ تَطَهَّرْ فَأَقْبَلَ عَلَى جَسَدِهِ يَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُ ، فَاخْتَتَنَ بَعْدَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ . وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ اخْتَتَنَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ، يَأْتَمُّونَ بِكَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَيَقْتَدِي بِكَ الصَّالِحُونَ . فَإِنْ صَحَّتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ ، فَالتَّأْوِيلُ أَنَّهُ اخْتَتَنَ بَعْدَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مِيلَادِهِ ، وَابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً مِنْ وَقْتِ نُبُوَّتِهِ ، فَيَتَّفِقُ التَّارِيخَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . الثَّانِي عَشَرَ : هِيَ عَشْرَةٌ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَهِيَ الْمِلَّةُ وَالصَّلَاةُ ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ وَالزَّكَاةُ ، وَهِيَ الطُّهْرَةُ وَالصَّوْمُ ، وَهُوَ الْجَنَّةُ وَالْحَجُّ ، وَهُوَ الشَّعِيرَةُ وَالْغَزْوُ ، وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالطَّاعَةُ ، وَهِيَ الْعِصْمَةُ وَالْجَمَاعَةُ ، وَهِيَ الْأُلْفَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَهُوَ الْوَفَاءُ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَهُوَ الْحُجَّةُ . الثَّالِثَ عَشَرَ : هِيَ : تَجْعَلُنِي إِمَامًا ، وَتَجْعَلُ الْبَيْتَ مَثَابَةً وَأَمْنًا ، وَتُرِينَا مَنَاسِكَنَا ، وَتَتُوبُ عَلَيْنَا ، وَهَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ، وَتَرْزُقُ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ . فَأَجَابَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ بِمَا سَأَلَهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ مِنْهَا ذَكَرَ طَائِفَةً مِمَّا ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ
إِبْرَاهِيمَ ، إِذْ كُلُّهَا ابْتَلَاهُ بِهَا ، وَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْحَصْرِ فِي
[ ص: 376 ] الْعَدَدِ ، وَلَا عَلَى التَّعْيِينِ ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى التَّنَاقُضِ . وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي فَسَّرَ بِهَا الْكَلِمَاتِ ، إِنْ كَانَتْ أَقْوَالًا ، فَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي تَسْمِيَتِهَا كَلِمَاتٍ ، وَإِنْ كَانَتْ أَفْعَالًا ، فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْكَلِمَاتِ عَلَيْهَا مَجَازًا ; لِأَنَّ التَّكَالِيفَ الْفِعْلِيَّةَ صَدَرَتْ عَنِ الْأَوَامِرِ ، وَالْأَوَامِرُ كَلِمَاتٌ . سُمِّيَتِ الذَّاتُ كَلِمَةً لِبُرُوزِهَا عَنْ كَلِمَةِ كُنْ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) . وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي أَحْكَامِ مَا شُرِحَتْ بِهِ الْكَلِمَاتُ مِنَ : الْمَضْمَضَةِ ، وَالِاسْتِنْشَاقِ ، وَقَصِّ الشَّارِبِ ، وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ ، وَالْفَرْقِ ، وَالسَّدْلِ ، وَالسِّوَاكِ ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ ، وَالِاسْتِنْجَاءِ ، وَالْخِتَانِ ، وَالشَّيْبِ وَتَغْيِيرِهِ ، وَالثَّرِيدِ ، وَالضِّيَافَةِ . وَهَذَا يُبْحَثُ فِيهِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ ، وَلَيْسَ كِتَابُنَا مَوْضُوعًا لِذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ .
فَأَتَمَّهُنَّ : الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي فَأَتَمَّهُنَّ يُظْهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ قَبْلَهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَاعِلِيَّةِ . فَأَتَمَّهُنَّ مَعْطُوفٌ عَلَى ابْتَلَى ، فَالْمُنَاسِبُ التَّطَابُقُ فِي الضَّمِيرِ . وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى : أَيْ أَكْمَلَهُنَّ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ ، أَوْ بَيَّنَهُنَّ ، وَالْبَيَانُ بِهِ يَتِمُّ الْمَعْنَى وَيَظْهَرُ ، أَوْ يَسَّرَ لَهُ الْعَمَلَ بِهِنَّ وَقَوَّاهُ عَلَى إِتْمَامِهِنَّ ، أَوْ أَتَمَّ لَهُ أُجُورَهُنَّ ، أَوْ أَدَامَهُنَّ سُنَّةً فِيهِ وَفِي عَقِبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَقْوَالٌ خَمْسَةٌ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ . فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَدَامَهُنَّ ، أَوْ أَقَامَ بِهِنَّ ، قَالَهُ
الضَّحَّاكُ ; أَوْ عَمِلَ بِهِنَّ ، قَالَهُ يَمَانٌ ; أَوْ وَفَّى بِهِنَّ ، قَالَهُ
الرَّبِيعُ ، أَوْ أَدَّاهُنَّ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ . خَمْسَةُ أَقْوَالٍ تُقَرِّبُ مِنَ التَّرَادُفِ ; إِذْ مَحْصُولُهَا أَنَّهُ أَتَى بِهِنَّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ . وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِابْتِلَاءِ ، هَلْ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا ؟ فَقَالَ
الْقَاضِي : كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ; لِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُ بِهِنَّ كَالسَّبَبِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَهُ إِمَامًا ، وَالسَّبَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسَبِّبِ ، فَوَجَبَ كَوْنُ الِابْتِلَاءِ مُقَدَّمًا فِي الْوُجُودِ عَلَى صَيْرُورَتِهِ إِمَامًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِتِلْكَ التَّكَالِيفِ إِلَّا مِنَ الْوَحْيِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الْوَحْيِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِكَوْنِهِ كَذَلِكَ . أَجَابَ
الْقَاضِي : بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ عَلَى لِسَانِ
جِبْرِيلَ بِهَذِهِ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ ، فَلَمَّا تَمَّمَ ذَلِكَ ، جَعَلَهُ نَبِيًّا مَبْعُوثًا إِلَى الْخَلْقِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ ) : تَقَدَّمَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي قَالَ : أَنَّهَا عَامِلَةٌ فِي إِذْ ، وَإِذَا جَعَلْنَا الْعَامِلَ فِي إِذْ مَحْذُوفًا ، كَانَتْ قَالَ اسْتِئْنَافًا ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : فَمَاذَا قَالَ لَهُ رَبُّهُ حِينَ أَتَمَّ الْكَلِمَاتِ ؟ فَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) . وَعَلَى اخْتِيَارِ أَنْ يَكُونَ " قَالَ " هُوَ الْعَامِلَ فِي إِذْ ، يَكُونُ " قَالَ " جُمْلَةً مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا ، أَيْ وَقَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ; إِذِ ابْتَلَاهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ : ابْتَلَى ، وَتَفْسِيرًا لَهُ . لِلنَّاسِ : يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِمْ أُمَّتَهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأُمَمِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي عَقَائِدِ التَّوْحِيدِ وَفِيمَا وَافَقَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ . وَلِلنَّاسِ : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; لِأَنَّهُ نَعْتٌ نَكِرَةٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا ، التَّقْدِيرُ : إِمَامًا كَائِنًا لِلنَّاسِ ، قَالُوا : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِ " جَاعِلُكَ " ، أَيْ لِأَجْلِ النَّاسِ . وَجَاعِلُ هُنَا بِمَعْنَى مُصَيِّرٍ ، فَيَتَعَدَّى لِاثْنَيْنِ ، الْأَوَّلُ : الْكَافُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهَا اسْمُ الْفَاعِلِ ، وَالثَّانِي : إِمَامًا . قِيلَ : قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ : وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا : النَّبِيُّ ، أَيْ : صَاحِبُ شَرْعٍ مُتَّبَعٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَبَعًا لِرَسُولٍ لَكَانَ مَأْمُومًا لِذَلِكَ الرَّسُولِ لَا إِمَامًا لَهُ . وَلِأَنَّ لَفْظَ الْإِمَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِمَامٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا نَبِيًّا ; وَلِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعِهِمْ هُمْ أَئِمَّةٌ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) . وَالْخُلَفَاءُ أَيْضًا أَئِمَّةٌ ، وَكَذَلِكَ الْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُصَلِّي بِالنَّاسِ ، وَمَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ فِي الْبَاطِلِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) . فَلَمَّا تَنَاوَلَ الِاسْمُ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ هُنَا عَلَى أَشْرَفِ الْمَرَاتِبِ وَأَعْلَاهَا ; لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ ، وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ .
قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : عَطَفَ عَلَى الْكَافِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَجَاعِلٌ بَعْضَ ذُرِّيَّتِي ، كَمَا يُقَالُ لَكَ : سَأُكْرِمُكَ ، فَتَقُولُ : وَزَيْدًا . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَلَا يَصِحِّ الْعَطْفُ عَلَى الْكَافِ ; لِأَنَّهَا مَجْرُورَةٌ ، فَالْعَطْفُ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِّ ، وَلَمْ
[ ص: 377 ] يَعْدُو ، لِأَنَّ " مَنْ " لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْجَارِّ مُضَافًا إِلَيْهَا ، لِأَنَّهَا حَرْفٌ ، فَتَقْدِيرُهَا بِأَنَّهَا مُرَادِفَةٌ لِبَعْضٍ حَتَّى تُقَدِّرَ جَاعِلًا مُضَافًا إِلَيْهَا لَا يَصِحُّ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ تَقْدِيرُ الْعَطْفِ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَوْضِعِ الْكَافِ ; لِأَنَّهُ نُصِبَ ، فَيُجْعَلُ " مَنْ " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُعْطَفُ فِيهِ عَلَى الْمَوْضِعِ ، عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ; لِفَوَاتِ الْمُحَرِّزِ ، وَلَيْسَ نَظِيرَ : سَأُكْرِمُكَ ، فَتَقُولُ : وَزَيْدًا لِأَنَّ الْكَافَ هُنَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ . وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِي مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ ، التَّقْدِيرُ : وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي إِمَامًا ; لِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا " الِاخْتِصَاصَ ، فَسَأَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِمَامًا . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : ذِرِّيَّتِي بِالْكَسْرِ فِي الذَّالِ . وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِهَا . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالضَّمِّ ، وَذَكَرْنَا أَنَّهَا لُغَاتٌ فِيهَا ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ اشْتُقَّتْ حِينَ تَكَلَّمْنَا عَلَى الْمُفْرَدَاتِ .