الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

663 - عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ; اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين ) .

رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والشافعي ، وفي أخرى له بلفظ " المصابيح "

التالي السابق


الفصل‌‌‌ الثاني

663 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن ) أي : متكفل لصلاة المؤتمين بالإتمام ، ومتحمل عنهم القراءة والقيام إذا أدركوا راكعين ، فالضمان هنا ليس بمعنى الغرامة ، بل يرجع إلى الحفظ والرعاية ، كذا قاله بعض علمائنا . وقال ابن حجر : وضمانهم إما لنحو الإسرار بالقراءة والجهر بها ، أو للدعاء ; بأن يعموا به ولا يخصوا به أنفسهم ، إلا فيما ورد ; كرب اغفر لي بين السجدتين ، أو لتحملهم نحو القراءة عن المسبوق والسهو عن الساهي ، أو بسقوط فرض الكفاية أقوال . ( والمؤذن مؤتمن ) قال القاضي : الإمام متكفل أمور صلاة الجمع ، يتحمل القراءة عنهم إما مطلقا عند من لا يوجب القراءة على المأموم ، أو إذا كانوا مسبوقين ويحفظ عليهم الأركان والسنن وأعداد الركعات ، ويتولى السفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء ، وعليه الاعتماد إذ بصلاح صلاته صلاحا لصلاتهم ، وبالعكس ، والمؤذن أمين في الأوقات يعتمد الناس على أصواتهم في الصلاة والصيام وسائر الوظائف المؤقتة ، نقله الطيبي . وقال ابن الملك : لأنهم يراعون ويحافظون من القوم صلاتهم ، لأنها في عهدتهم كالمتكلفين لهم صحة صلاتهم وفسادها وكمالها ونقصانها بحكم المتبوعية والتابعية ، ولهذا الضمان كان ثوابهم أوفر إذا راعوا حقها ، ووزرهم أكثر إذا خلوا بها ، أو المراد ضمان الدعاء ، والمؤذنون أمناء ; لأن الناس يعتمدون عليهم في الصلاة ونحوها ، أو لأنهم يرتقون في أمكنة عالية ، فينبغي أن لا يشرفوا على بيوت الناس لكونهم أمناء . ( اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ) ولفظ المصابيح : ( أرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين ) . قال الطيبي : دعاء أخرجه في صورة الخبر مبالغة ، وعبر بالماضي ثقة بالاستجابة كأنه استجيب فيه ، ويخبر عنه موجودا ، والمعنى أرشد الأئمة للعلم بما تكفلوه والقيام به والخروج عن عهدته واغفر للمؤذنين ما عسى يكون لهم تفريط في الأمانة التي حملوها من جهة تقديم على الوقت ، أو تأخير عنه سهوا . قال الأشرف : يستدل بقوله : " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن " على فضل الأذان على الإمامة ، لأن حال الأمين أفضل من حال الضمين تم كلامه ، ورد : بأن هذا الأمين يتكفل الوقت فحسب ، وهذا الضامن يتكفل أركان الصلاة ويتعهد للسفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء ، فأين أحدهما من الآخر ; وكيف لا والإمام خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤذن خليفة بلال ، وأيضا الإرشاد الدلالة الموصلة إلى البغية والغفران

[ ص: 564 ] مسبوق بالذنب ، قاله الطيبي ، وهو مذهبنا وعليه جمع من الشافعية . ( رواه أحمد ، وأبو داود ) وذكره النووي في الأحاديث الضعيفة ، قاله ميرك . ( والترمذي ) قال الترمذي : سمعت أبا زرعة يقول : حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح ، عن عائشة . قال : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : حديث أبي صالح ، عن عائشة أصح . وذكر علي بن المديني أنه قال : لا يثبت حديث أبي هريرة ، ولا حديث عائشة في هذا . ا ه . نقله ميرك .

وقال ابن حجر : هو حديث ضعيف ، وبه استدل جماعة من أصحابنا على ما نص عليه الشافعي في " الأم " من أن الأذان أفضل من الإمامة ، وعبارته : وأحب الأذان لحديث : " اللهم اغفر للمؤذنين " وأكره الإمامة للضمان ، وما على الإمام فيها ، وإنما استدلوا به مع ضعفه لأنه اعتضد برواية صححها ابن حبان والعقيلي ، وإن أعلها ابن المديني . وقال أحمد : ليس لها أصل ، الأئمة ضمناء ، والمؤذنون أمناء ، فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين ا ه .

وفيه أن الدعاء بالإرشاد أعلى من الدعاء بالمغفرة ; لأن الغفران يستدعي سبق ذنب ، والإرشاد يستدعي وصول البغية . وقول ابن حجر : " إنه ممنوع فيهما كما هو جلي " - مدفوع بأنه غير خفي ، فضلا عن أنه جلي ، بل إنه بديهي لا نظري ، وأغرب الماوردي . في توجيهه حيث قال : دعا للإمام بالإرشاد خوف تقصيره ، وللمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله ، وأما ما ورد في فضيلة الأذان مما تقدم ويأتي ، ونحو خبر أحمد : " لو يعلم الناس ما لهم في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف " ، فلا يدل على أفضلية الأذان خلافا لما وهم ابن حجر ، وأما خبر الحاكم وصححه هو وابن شاهين : " إن خياركم عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله " ، فلا خصوصية له بالمؤذن على ما فهم ابن حجر ، وأما ما صح عن عمر : لو كنت أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت ، فمراده الجمع بينهما ، فلا دلالة فيه على أفضلية الأذان كما ذكر ، بل على أفضلية الإمام ، ويدل على ما ذكرنا خبر الصحيحين : ( ليؤذن لكم أحدكم ويؤمكم أكبركم ) . وحديث النسائي : ( ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن ) وحديث ابن عدي ( ليؤمكم أحسنكم وجها فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقا ) . وأما حديث أبي داود ، وابن ماجه ( يؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم ) فالمراد بالخيار الصلحاء ، وبالقراء العلماء ، والعلماء أفضل الناس بعد الأنبياء ، ولأن القيام بحقوق الإمامة أشق فهو أفضل مآبا وأجزل ثوابا ، وهذا كله بعد القيام بحق كل منهما ، فلا وجه لقول آخرين حيث قالوا : إن قام بحقوق الإمامة فهي أفضل ، وإلا فالأذان أفضل ، إذ لا يصح هذا الإطلاق ، والعجب من ابن حجر أنه حرره وقرره . ( والشافعي ) ولعل تأخير الإمام الشافعي عن المخرجين المذكورين ، مع أنه أجل منهم رواية ودراية باعتبار صحة أسانيد كتبهم واشتهارها وقبول العامة لها . أما ترى أن البخاري ومسلما يتقدمان عليه ، بل على أستاذه الإمام مالك ، وما ذلك إلا لقوة صحة كتابيهما ، وتلقي الأمة لهما بالقبول . وقال ابن حجر : إنما أخره عنهم مع أنهم من جملة تلامذته ، أو تلامذة تلامذته ، ليفيد أن له رواية أخرى ، ولذا قال : ( وفي أخرى ) أي : رواية ( له ) أي للشافعي ( بلفظ : المصابيح ) وهو : " الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين " قال ابن الملك : الضمناء جمع الضمين بمعنى الضامن ، والأمناء جمع أمين ، وتفسير ابن حجر لفظ المصابيح بقوله : " وهو أرشد الله إلخ " تقصير منه .




الخدمات العلمية