الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      ألم يعلموا وقرئ بالتاء، والضمير إما للتائبين فهو تحقيق لما سبق من قبول توبتهم، وتطهير الصدقة، وتزكيتها لهم، وتقرير لذلك، وتوطين لقلوبهم ببيان أن المتولي لقبول توبتهم وأخذ صدقاتهم هو الله سبحانه، وإن أسند الأخذ والتطهير والتزكية إليه - صلى الله عليه وسلم - أي: ألم يعلم أولئك التائبون أن الله هو يقبل التوبة الصحيحة الخالصة عن عباده المخلصين فيها، ويتجاوز عن سيئاتهم كما يفصح عنه كلمة "عن"، والمراد بهم: إما أولئك التائبون، ووضع المظهر في موضع المضمر للإشعار بعلية العبادة لقبولها، وإما كافة العباد، وهم داخلون في ذلك دخولا أوليا.

                                                                                                                                                                                                                                      ويأخذ الصدقات أي: يقبل صدقاتهم على أن اللام عوض عن المضاف إليه، أو جنس الصدقات المندرج تحته صدقاتهم اندراجا أوليا، أي: هو الذي يتولى قبول التوبة وأخذ الصدقات وما يتعلق بها من التطهير والتزكية، وإن كنت أنت المباشر لها ظاهرا، وفيه من تقرير ما ذكر ورفع شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - على نهج قوله تعالى:إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                                                                      وأن الله هو التواب الرحيم تأكيد لما عطف عليه، وزيادة تقرير لما يقرره مع زيادة معنى ليس فيه، أي: ألم يعلموا أنه المختص المستأثر ببلوغ الغاية القصوى من قبول التوبة والرحمة، وأن ذلك سنة مستمرة له وشأن دائم، والجملتان في حيز النصب بـ"يعلموا" بسد كل واحدة منهما مسد مفعوليه، وإما لغير التائبين من المؤمنين، فقد روي أنهم قالوا لما تيب على الأولين: هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم؟! فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                                      أي: ألم يعلموا ما للتائبين من الخصال الداعية إلى التكرمة، والتقريب، والانتظام في سلك المؤمنين، والتلقي بحسن القبول والمجالسة، فهو ترغيب لهم في التوبة والصدقة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية