الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : المحققون على أن ناصب إذا شرطها ، والأكثرون أنه ما في جوابها من فعل أو شبهه .

الثاني : قد تستعمل إذا للاستمرار في الأحوال الماضية والحاضرة والمستقبلة ، كما يستعمل الفعل المضارع لذلك ; ومنه وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون [ البقرة : 14 ] [ ص: 462 ] ، أي : هذا شأنهم أبدا ، وكذا قوله تعالى : وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى [ النساء : 142 ] .

الثالث : ذكر ابن هشام في " المغني " : ( إذ ما ) ولم يذكر ( إذا ما ) وقد ذكرها الشيخ بهاء الدين السبكي في [ عروس الأفراح ] في أدوات الشرط .

فأما ( إذ ما ) فلم تقع في القرآن ، ومذهب سيبويه أنها حرف . وقال المبرد وغيره : إنها باقية على الظرفية ، وأما ( إذا ما ) فوقعت في القرآن في قوله تعالى : وإذا ما غضبوا [ الشورى : 37 ] ، إذا ما أتوك لتحملهم [ التوبة : 92 ] ، ولم أر من تعرض لكونها باقية على الظرفية أو محولة إلى الحرفية . ويحتمل أن يجري فيها القولان في ( إذ ما ) . ويحتمل أن يجزم ببقائها على الظرفية ، لأنها أبعد عن التركيب ، بخلاف ( إذ ما ) .

الرابع : تختص ( إذا ) بدخولها على المتيقن والمظنون والكثير الوقوع ، بخلاف ( إن ) فإنها تستعمل في المشكوك والموهوم النادر ;ولهذا قال تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ثم قال : وإن كنتم جنبا فاطهروا [ المائدة : 6 ] فأتى بإذا في الوضوء لتكرره وكثرة أسبابه ، وبإن في الجنابة لندرة وقوعها بالنسبة إلى الحدث . وقال تعالى فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا [ الأعراف : 131 ] وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون [ الروم : 36 ] .

أتى في جانب الحسنة بإذا ; لأن نعم الله على العباد كثيرة ومقطوع بها ، وبإن في جانب السيئة لأنها نادرة الوقوع ، ومشكوك فيها .

نعم أشكل على هذه القاعدة آيتان : الأولى قوله تعالى : ولئن متم [ آل عمران : 158 ] أفإن مات [ آل عمران : 144 ] ، فأتى بإن مع أن الموت محقق الوقوع . والأخرى قوله تعالى : وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون [ الروم : 33 ] فأتى بإذا في الطرفين .

وأجاب الزمخشري عن الأولى : بأن الموت لما كان مجهول الوقت أجري مجرى غير المجزوم .

وأجاب السكاكي عن الثانية : بأنه قصد التوبيخ والتقريع ، فأتى بإذا ليكون تخويفا لهم وإخبارا بأنهم لا بد أن يمسهم شيء من العذاب ، واستفيد التقليل من لفظ ( المس ) وتنكير ( ضر ) .

[ ص: 463 ] وأما قوله تعالى : وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض [ فصلت : 51 ] فأجيب عنه بأن الضمير في مسه للمعرض المتكبر ، لا لمطلق الإنسان . ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثل هذا المعرض يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به .

وقال الخويي : الذي أظنه أن ( إذا ) يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك ، لأنها ظرف وشرط ، فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك ، وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف .

الخامس : خالفت ( إذا ) ( إن ) أيضا في : إفادة العموم ، قال ابن عصفور : فإذا قلت : إذا قام زيد قام عمرو ، أفادت : أنه كلما قام زيد قام عمرو . قال : هذا هو الصحيح . وفي : أن المشروط بها إذا كان عدما يقع الجزاء في الحال ، وفي ( إن ) لا يقع حتى يتحقق اليأس من وجوده . وفي : أن جزاءها مستعقب لشرطها على الاتصال ، لا يتقدم ولا يتأخر ، بخلاف ( إن ) . وفي : أن مدخولها لا تجزمه ، لأنها لا تتمخض شرطا .

خاتمة : قيل : قد تأتي إذا زائدة ، وخرج عليه : إذا السماء انشقت [ الانشقاق : 1 ] أي : انشقت السماء ، كما قال : اقتربت الساعة [ القمر : 1 ] .

إذا :

قال سيبويه : معناها الجواب والجزاء ، فقال الشلوبين : في كل موضع ، وقال الفارسي : في الأكثر . والأكثر أن تكون جوابا لإن أو لو ظاهرتين أو مقدرتين .

قال الفراء : وحيث جاءت بعدها اللام فقبلها ( لو ) مقدرة إن لم تكن ظاهرة ، نحو : إذا لذهب كل إله بما خلق [ المؤمنون : 91 ] .

وهي حرف ينصب المضارع ، بشرط تصديرها واستقباله ، واتصالها أو انفصالها بالقسم أو بلا النافية .

قال النحاة : وإذا وقعت بعد الواو والفاء جاز فيها الوجهان ، نحو : وإذا لا يلبثون خلافك [ الإسراء : 76 ] فإذا لا يؤتون الناس [ النساء : 53 ] وقرئ - شاذا - بالنصب فيهما .

وقال ابن هشام : التحقيق أنه إذا تقدمها شرط وجزاء وعطفت ، فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذا ، لوقوعها حشوا . أو على الجملتين جميعا : جاز الرفع [ ص: 464 ] والنصب . وكذا إذا تقدمها مبتدأ خبره فعل مرفوع ، إن عطفت على الفعلية رفعت ، أو الاسمية فالوجهان .

وقال غيره : ( إذا ) نوعان :

الأول : أن تدل على إنشاء السببية والشرط ، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها ، نحو : أزورك غدا ، فتقول : إذا أكرمك . وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجمل الفعلية ، فتنصب المضارع المستقبل المتصل إذا صدرت .

والثاني : أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم ، أو منبهة على مسبب حصل في الحال ، وهي حينئذ غير عاملة ; لأن المؤكدات لا يعتمد عليها ، والعامل يعتمد عليه ، نحو : إن تأتني إذا آتيك ، والله إذا لأفعلن . ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط .

وتدخل هذه على الاسمية ، فتقول : إذا أنا أكرمك . ويجوز توسطها وتأخرها . ومن هذا قوله تعالى : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا [ البقرة : 145 ] فهي مؤكدة للجواب ، مرتبطة بما تقدم .

تنبيهان :

الأول : سمعت شيخنا العلامة الكافيجي يقول في قوله تعالى : ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون [ المؤمنون : 34 ] : ليست إذا هذه الكلمة المعهودة ، وإنما هي ( إذا ) الشرطية ، حذفت جملتها التي تضاف إليها ، وعوض عنها بالتنوين كما في يومئذ . وكنت أستحسن هذا جدا ، وأظن أن الشيخ لا سلف له في ذلك . ثم رأيت الزركشي قال في " البرهان " بعد ذكره لإذا المعنيين السابقين :

وذكر لهما بعض المتأخرين معنى ثالثا ، وهي أن تكون مركبة من ( إذا ) التي هي ظرف زمن ماض ، ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا ، لكن حذفت الجملة تخفيفا ، وأبدل منها التنوين ، كما في قولهم في حينئذ ، وليست هذه الناصبة للمضارع ; لأن تلك تختص به ، ولذا عملت فيه ولا يعمل إلا ما يختص ، وهذه لا تختص ، بل تدخل على الماضي ، كقوله تعالى : ( وإذا لآتيناهم ) [ النساء : 67 ] ( إذا لأمسكتم ) [ الإسراء : 100 ] ( إذا لأذقناك ) [ الإسراء : 75 ] ، وعلى الاسم نحو : وإنكم إذا لمن المقربين [ الشعراء : 42 ] قال : وهذا المعنى لم يذكره النحاة ، لكنه قياس ما قالوه في ( إذ ) .

وفي " التذكرة " لأبي حيان : ذكر لي علم الدين القمني : أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يذهب إلى أن ( إذا ) عوض من الجملة المحذوفة ، وليس هذا قول نحوي .

[ ص: 465 ] وقال الخويي : وأنا أظن أنه يجوز أن تقول - لمن قال : أنا آتيك : إذا أكرمك ، بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمك ، فحذفت أتيتني ، وعوضت التنوين من الجملة ، فسقطت الألف لالتقاء الساكنين . قال : ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة على أن الفعل في مثل ذلك منصوب بإذا ; لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا له ، ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعدها إذا أريد بها ( إذا ) الزمانية ، معوضا من جملتها التنوين ، كما أن منهم من يجزم ما بعد ( من ) إذا جعلها شرطية ، ويرفعه إذا أريد بها الموصولة . انتهى .

فهؤلاء قد حاموا حول ما حام عليه الشيخ ، إلا أنه ليس أحد منهم من المشهورين بالنحو ، وممن يعتمد قوله فيه . نعم ذهب بعض النحاة إلى أن أصل ( إذا ) الناصبة اسم ، والتقدير في : إذا أكرمك : إذا جئتني أكرمك ، فحذفت الجملة وعوض منها التنوين ، وأضمرت ( أن ) .

وذهب آخرون إلى أنها حرف ، مركبة من ( إذ ) و ( إن ) . حكى القولين ابن هشام في المغني .

التنبيه الثاني : الجمهور على أن ( إذا ) يوقف عليها بالألف المبدلة من النون ، وعليه إجماع القراء ، وجوز قوم - منهم المبرد والمازني في غير القرآن - الوقوف عليها بالنون ، كلن وإن ، وينبني على الخلاف في الوقوف عليها كتابتها : فعلى الأول تكتب بالألف كما رسمت في المصاحف ، وعلى الثاني بالنون .

وأقول : الإجماع في القرآن على الوقف عليها ، وكتابتها بالألف دليل على أنها اسم منون لا حرف آخره نون ، خصوصا أنها لم تقع فيه ناصبة للمضارع ، فالصواب إثبات هذا المعنى لها ، كما جنح إليه الشيخ ومن سبق النقل عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية