الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم ( باب الجنايات ) .

                                                                                        لما كانت الجناية من العوارض أخرها ، وهي في اللغة ما تجنيه من شر أي تحدثه تسمية بالمصدر من جنى عليه شرا ، وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل ، وأصله من جني الثمر ، وهو أخذه من الشجر ، وفي الشرع اسم لفعل محرم شرعا سواء حل بمال أو نفس إلا أن الفقهاء خصوه بالجناية على الفعل في النفس والأطراف وخصوا الفعل في المال باسم الغصب والمراد هنا خاص ، وهو ما يكون حرمته بسبب الإحرام أو الحرم وحاصل الأول أنه الطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس أو الوجه ، وإزالة الشعر من البدن ، وقص الأظفار والجماع صورة ، ومعنى أو معنى فقط وترك واجب من واجبات الحج والتعرض للصيد وحاصل الثاني التعرض لصيد الحرم وشجره فبدأ بالأول من الأول فقال : ( تجب شاة إن طيب محرم عضوا ، وإلا تصدق أو خضب رأسه بحناء أو أدهن بزيت ) ; لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق وذلك في العضو الكامل فيترتب عليه كمال الموجب وتتقاصر الجناية فيما دونه فوجبت الصدقة ، وقال محمد : يجب بقدره من الدم اعتبارا للجزء بالكل فإن كان ذلك يبلغ نصف العضو تجب عليه الصدقة قدر نصف قيمة الشاة ، وإن كان يبلغ ربعا يجب عليه الصدقة قدر ربع قيمة الشاة ، وعلى هذا القياس واختاره الإمام الإسبيجابي مقتصرا عليه من غير نقل خلاف .

                                                                                        ثم ما اختاره أصحاب المتون من أن الكثير هو العضو والقليل ما دونه هو ما صرح به الإمام محمد عن الإمام في بعض المواضع ، وقد أشار في بعض المواضع إلى أن الدم يجب بالتطيب الكثير والصدقة بالقليل ، ولم يذكر العضو ، وما دونه ففهم من ذلك الفقيه أبو جعفر الهندواني أن الكثرة تعتبر في نفس الطيب لا في العضو فلو كان [ ص: 3 ] كثيرا مثل كفين من ماء الورد ، وكف من الغالية والمسك بقدر ما يستكثره الناس فإنه يكون كثيرا ، وإن كان قليلا في نفسه والقليل ما يستقله الناس ، وإن كان في نفسه كثيرا ، وكف من ماء الورد يكون قليلا ، ووفق بعضهم بين القولين وصححه في المحيط وغيره ، وقال في فتح القدير : إن التوفيق هو التوفيق بأن الطيب إن كان قليلا فالعبرة للعضو لا للطيب فإن طيب عضوا كاملا لزمه دم ، وإن كان أقل فصدقة ، وإن كان الطيب كثيرا فالعبرة للطيب لا للعضو حتى لو طيب به ربع عضو يلزمه دم ، وفيما دونه صدقة ونظيره ما قاله محمد في تقدير النجاسة الكثيرة اعتبر المساحة في النجاسة الرقيقة واعتبر الوزن في النجاسة الكثيفة . ا هـ . ما في المحيط .

                                                                                        وحاصله أن ما في المتون محمول على ما إذا كان الطيب قليلا أما إذا كان كثيرا فلا اعتبار بالعضو ، ولا يخفى أن ما ذكره محمد من اعتبار العضو صريح ، وما ذكره من الكثرة إشارة يمكن حملها على المصرح به فيتحد القولان ويترجح ما في المتون من اعتبار العضو ، وهو كالرأس والساق والفخذ واليد ، وفي المبسوط والمحيط إذا خضبت المرأة كفها بحناء يجب عليها دم قال : وجعل الكف عضوا كاملا ، وحقيقة التطيب أن يلزق ببدنه أو ثوبه طيبا ، وما زاده في فتح القدير من فراشه فراجع إليهما والطيب جسم له رائحة طيبة مستلذة كالزعفران والبنفسج والياسمين والغالية والريحان والورد والورس والعصفر ، ولا فرق بين أن يلتزق بثوبه عينه أو رائحته فلذا صرحوا أنه لو بخر ثوبه بالبخور فتعلق به كثير فعليه دم ، وإن كان قليلا فصدقة ; لأنه انتفاع بالطيب بخلاف ما إذا دخل بيتا قد أجمر فيه فعلق بثيابه رائحة فلا شيء عليه ; لأنه غير منتفع بعينه ، ولا بأس أن يجلس في حانوت عطار ، ولا فرق أيضا بين أن يقصده أو لا ولذا قال في المبسوط : وإن استلم الركن فأصاب فمه أو يده خلوف كثير فعليه دم ، وإن كان قليلا فصدقة .

                                                                                        وفي المجمع ونوجبه في الناسي لا الصبي ونعكس في شمسه ، وأكل كثيره موجب له ، وفي قليله صدقة بقدره . ا هـ . فعلم أن مفهوم شرطه أنه لو شم الطيب فإنه لا يلزمه شيء ، وإن كان مكروها كما لو توسد ثوبا مصبوغا بالزعفران ، وما ذكره المصنف قاصر على الطيب الملتزق بالبدن ، وأما الملتزق بالثياب فلم يمكن اعتبار العضو فيه فيعتبر فيه كثرة الطيب وقلته ، وهو مرجح بقول الهندواني المتقدم فإنه يعم البدن والثوب ، ولا يجوز له أن يمسك مسكا في طرف إزاره ، وفي فتح القدير ، وكان المرجح في الفرق بين القليل والكثير العرف إن كان ، وإلا فما يقع عند المبتلى .

                                                                                        وما في المجرد إن كان في ثوبه شبر في شبر فمكث عليه يوما يطعم نصف صاع من بر وإن كان أقل من يوم فصدقة يفيد التنصيص على أن الشبر في الشبر داخل في حد القليل ، وعلى تقدير الطيب في الثوب [ ص: 4 ] بالزمان بخلاف تطييب العضو فإنه لا يعتبر فيه الزمان حتى لو غسله من ساعته فالدم واجب كما في فتح القدير ولذا أطلقه في المتن قيد بكونه تطيب ، وهو محرم ; لأنه لو تطيب قبل الإحرام ثم انتقل بعده من مكان إلى آخر من بدنه فإنه لا شيء عليه اتفاقا ، وإذا وجب الجزاء بالتطيب فلا بد من إزالته من بدنه أو ثوبه ; لأنه معصية فلا بد من الإقلاع عنها ، وذبح الهدي لا يبيح بقاءه فلو لم يزله بعد ما كفر له اختلفوا في وجوب دم آخر لبقائه ، وأظهر القولين الوجوب ; لأن ابتداءه كان محظورا فيكون لبقائه حكم ابتدائه ، والرواية توافقه ، وهي ما في المبتغى عن محمد إذا مس طيبا كثيرا فأراق له دما ثم ترك الطيب على حاله يجب عليه لتركه دم آخر ، ولا يشبه هذا الذي تطيب قبل أن يحرم ثم أحرم وترك الطيب ; لأنه لم يكن محظورا .

                                                                                        واختاره في المحيط ، وفي فتح القدير ، وقد علم من بيانه حكم العضو ، وما دونه أن ما زاد عليه فهو كالعضو كما صرحوا به ثم إنما تجب كفارة واحدة بتطييب كل البدن إذا كان في مجلس واحد فإن كان في مجالس فلكل طيب كفارة كفر للأول أو لا عندهما ، وقال محمد عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول ، وإن داوى قرحة بدواء فيه طيب ثم خرجت قرحة أخرى فداواها مع الأولى فليس عليه إلا كفارة ما لم تبرأ الأولى ، ولو كان الطيب في أعضاء متفرقة يجمع ذلك كله فإن بلغ عضوا كاملا فعليه دم ، وإلا فصدقة ، وفي المحيط اكتحل بكحل ليس فيه طيب فلا بأس به .

                                                                                        وإن كان فيه طيب فعليه صدقة إلا أن يكون مرارا كثيرة فدم والمراد بالمرار المرتان فأكثر كما صرح بهقاضي خان في فتاويه ، وقال : لو جعل الملح الذي فيه طيب في طعام قد طبخ وتغير ، وأكله لا شيء عليه ، وإن لم يطبخ وريحه يوجد منه يكره ذلك ، ولا شيء عليه ، ولو جعل الزعفران في الملح فإن كان الزعفران غالبا فعليه كفارة ، وإن كان الملح غالبا لا كفارة عليه . ا هـ .

                                                                                        وأشار بقوله شاة إلى أن سبع البدنة لا يكفي في هذا الباب بخلاف دم الشكر ، ولو قال المصنف عضوه بالإضافة كان أولى لما في الفتاوى الظهيرية ، وإذا ألبس المحرم محرما أو حلالا مخيطا أو طيبه بطيب فلا شيء عليه بالإجماع ، وكذلك إذا قتل قملة على غيره . ا هـ .

                                                                                        وقوله أو خضب رأسه معطوف على طيب ، وإنما صرح بالحناء مع دخولها تحت الطيب لقوله عليه السلام { الحناء طيب } للاختلاف ، وإنما اقتصر على الرأس ، ولم يذكر اللحية كما وقع في الأصل ليفيد أن الرأس بانفرادها مضمونة ، وأن الواو بمعنى أو في عبارة الأصل بدليل الاقتصار على الرأس في الجامع الصغير ، ولما كان مصرحا فيما يأتي بأن تغطية الرأس موجبة للدم [ ص: 5 ] لم يقيد الحناء بأن تكون مائعة فإن كانت ملبدة ففيه دمان دم للتطيب مطلقا ودم للتغطية إن دام يوما ، وليلة وغطى الكل أو الربع فلو كان التلبيد بغير الحناء لزمه دم أيضا . والتلبيد أن يأخذ شيئا من الخطمي والآس والصمغ فيجعله في أصول الشعر ليتلبد .

                                                                                        ، وما ذكره رشيد الدين في مناسكه وحسن أن يلبد رأسه قبل الإحرام مشكل ; لأنه لا يجوز استصحابه التغطية الكائنة قبل الإحرام بخلاف الطيب كذا في فتح القدير ويشكل عليه ما في الصحيحين عن ابن عمر { أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ، ولم تحل أنت من عمرتك قال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر } فلا فرق بين التلبيد والطيب فإن كلا منهما محظور بعد الإحرام وجاز استصحاب الطيب الكائن قبل الإحرام بالسنة فكذلك التلبيد قبله بالسنة ، وقيد الخضاب بالرأس ; لأن المحرمة لو خضبت يدها أو كفها فعليها دم إن كان كثيرا فاحشا ، وإن كان قليلا فعليها صدقة كما ذكره الإسبيجابي وغيره بخلاف خضاب الرأس بالحناء فإنه موجب للدم مطلقا .

                                                                                        وأما خضاب اللحية فوقع في الهداية أن كلا من الرأس واللحية مضمون ، ولم يقل بالدم وزاد الشارح أن كلا منهما مضمون بالدم ، وهو سهو منه ; لأن اللحية مضمونة بالصدقة كما في معراج الدراية معزيا للمبسوط ، وقيد بالحناء ; لأنه لو خضب بالوسمة فليس عليه دم ، ولكن إن خاف أن يقتل الهوام أطعم شيئا ; لأن فيه معنى الجناية من هذا الوجه ، ولكنه غير متكامل فيلزمه الصدقة كما في المبسوط والوسمة بسكون السين وكسرها ، وهو الأفصح شجر يخضب بورقه ، وفي الهداية ، وعن أبي يوسف إذا خضب رأسه بالوسمة لأجل المعالجة من الصداع فعليه الجزاء باعتبار أنه يغلف رأسه ، وهذا صحيح . ا هـ .

                                                                                        يعني ينبغي أن لا يكون فيه خلاف ; لأن التغطية موجبة بالاتفاق غير أنها للعلاج فلهذا ذكر الجزاء ، ولم يذكر الدم والحناء منون في عبارة المصنف ; لأنه فعال لا فعلاء ليمنع صرفه ألف التأنيث ، وقوله أو أدهن بزيت معطوف على قوله طيب أطلقه فشمل ما إذا كان مطبوخا أو غير مطبوخ مطيبا أو غير مطيب ، ولم يقيده بالكثير لما علم من تقييده في الطيب ; لأنه إذا فرق في الطيب بين العضو ، وما دونه فالزيت أولى ; لأنه لا خلاف في الطيب ، وفي الزيت الذي ليس بمطيب ، ولا مطبوخ خلافهما فقالا : يجب فيه [ ص: 6 ] صدقة ; لأن الجناية فيه قاصرة ; لأنه من الأطعمة إلا أن فيه ارتفاقا لمعنى قتل الهوام ، وإزالة الشعث .

                                                                                        وقال : الإمام يجب دم ; لأنه أصل الطيب باعتبار أنه يلقي فيه الأنوار كالورد والبنفسج فيصير نفسه طيبا ، ولا يخلو عن نوع طيب ويقتل الهوام ويلين الشعر ويزيل التفث والشعث ، وأراد بالزيت دهن الزيتون والسمسم ، وهو المسمى بالشيرج فخرج بقية الأدهان كالشحم والسمن ، وقيد بالإدهان ; لأنه لو أكله أو داوى به شقوق رجليه أو أقطر في أذنه لا يجب دم ، ولا صدقة بخلاف المسك والعنبر والغالية والكافور ونحوها حيث يلزم الجزاء بالاستعمال على وجه التداوي لكنه يتخير إذا كان لعذر كما سيأتي ، وكذا إذا أكل الكثير من الطيب ، وهو ما يلتزق بأكثر فمه فعليه الدم قال في فتح القدير : وهذه تشهد لعدم اعتبار العضو مطلقا في لزوم الدم بل ذاك إذا لم يبلغ مبلغ الكثرة في نفسه على ما قدمناه .

                                                                                        وقد قدمنا عن قاضي خان أنه لو خلط الطيب بطعام من غير طبخ فالعبرة للغالب فإن كان الطيب مغلوبا فلا شيء أصلا زاد بعضهم إلا أنه يكره إذا كان رائحته توجد فيه ، وإن كان غالبا فهو كالخالص ، وهكذا في المحيط وغيره ، وقالوا : ولو خلطه بمشروب ، وهو غالب ففيه الدم ، وإن كان مغلوبا فصدقة إلا أن يشرب مرارا فدم فإن كان للتداوي خير وينبغي أن يسوي بين المأكول والمشروب المخلوط كل منهما بطيب مغلوب أما بعدم شيء أصلا كما هو الحكم في المأكول أو بوجوب الصدقة فيهما كما هو الحكم في المشروب ، وما فرق به في المحيط من أن الطيب مما يقصد شربه فإذا خلطه بمشروب لم يصر تبعا لمشروب مثله إلا أن يكون المشروب غالبا كما لو خلط اللبن بالماء فشربه الصبي تثبت حرمة الرضاع إلا أن يكون الماء غالبا بخلاف أكله فإنه ليس مما يقصد عادة فإذا خلط بالطعام صار تبعا للطعام وسقط حكمه ففيه نظر من وجهين . الأول : أن من الطيب ما يقصد أكلا إذا كان من المأكولات للمعنى القائم به ، وهو الطيبية إما مداواة أو تنعما منفردا أو مخلوطا كما يقصد شربا الثاني أن القصد من هذا الباب ليس بشرط ; لأن الناسي والعامد والجاهل سواء ، وذكر الحلبي في مناسكه أني لم أرهم تعرضوا بماذا تعتبر الغلبة ؟ . وظهر لي أنه إن وجد في المخالط رائحة الطيب كما قبل الخلط وحس الذوق السليم بطعمه فيه حسا ظاهرا فهو غالب ، وإلا فهو مغلوب ; لأن المناط كثرة الأجزاء ثم قال : لم أرهم تعرضوا في هذه المسألة في التفصيل أيضا بين القليل والكثير كما في مسألة أكل الطيب وحده ، وإنه بإثباته فيها أيضا لجدير ويقال إن كان الطيب غالبا ، وأكل منه أو شرب كثيرا فعليه الكفارة ، وإلا فصدقة ، وإن كان مغلوبا ، وأكل منه أو شرب كثيرا فصدقة ، وإلا فلا شيء عليه ، ولعل الكثير ما يعده العارف العدل الذي لا يشوبه شره ونحوه كثيرا والقليل ما عداه .

                                                                                        ثم قال : ولا شيء في أكل ما يتخذ من الحلواء المبخرة بالعود ونحوه ، وإنما يكره إذا كانت رائحته توجد منه بخلاف الحلواء المسمى بالقاووت المضاف إلى أجزائها الماورد والمسك فإن في أكل الكثير دما والقليل صدقة ، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأحوال .

                                                                                        [ ص: 2 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 2 ] باب الجنايات ) .

                                                                                        [ ص: 3 ] ( قوله : وإن التوفيق هو التوفيق ) أي التوفيق بين القولين هو التوفيق المعتبر أو هو التوفيق من الله تعالى ، وقوله بأن الطيب متعلق بقوله ووفق بعضهم والمراد به شيخ الإسلام وغيره كما في الفتح أو متعلق بالتوفيق الثاني لكنه ليس هو لفظ ما في الفتح ; لأنه بعد ما ذكر التوفيق قال : والتوفيق هو التوفيق ( قوله : وما زاده في فتح القدير من فراشه ) حيث قال : بعدما عرف التطيب بما ذكره المؤلف ، ولا فرق في المنع بين بدنه ، وإزاره وفراشه . ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أنه لم يزده على البدن والثوب كما يوهمه كلام المؤلف ( قوله : بخلاف ما إذا دخل بيتا إلخ ) انظره مع قوله عقبه ، ولا فرق أيضا بين أن يقصده أو لا ( قوله : ولا فرق أيضا بين أن يقصده أو لا ) قال : في اللباب ثم لا فرق في وجوب الجزاء فيما إذا جنى عامدا أو خاطئا مبتدأ أو عائدا ذاكرا أو ناسيا عالما أو جاهلا طائعا أو مكرها نائما أو منتبها سكران أو صاحيا مغمى عليه أو مفيقا معذورا أو غيره موسرا أو معسرا بمباشرته أو بمباشرة غيره بأمره أو بغيره ففي هذه الصور جميعها يجب الجزاء ، وهذا هو الأصل عندنا لا يتغير غالبا فاحفظه . ا هـ .

                                                                                        قال شارحه : ولعله أشار أي بقوله غالبا إلى ما سيأتي من أنه إذا طيب محرم محرما لا شيء على الفاعل ويجب على المفعول الجزاء . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وفي المجمع ونوجبه في الناسي إلخ ) أشار بالجملة الفعلية المضارعة المصدرة بنون الجماعة إلى خلاف الشافعي كما هو مصطلحه قال ابن الملك في شرحه ونوجبه أي الدم في الناسي أي في جناية من جنى على إحرامه ناسيا ، وقال الشافعي : لا شيء عليه لا الصبي بالجر معطوف على الناسي يعني لا يجب على الصبي المحرم في جنايته شيء عندنا ، وقال الشافعي يجب عليه ونعكس الحكم السابق ، وهو الواجب يعني لا يجب في شمه أي شم المحرم طيبا ، وقال الشافعي يجب عليه دم ، وأكل كثيره أي أكل المحرم كثيرا من الطيب بحيث يلتزق بكل فمه أو أكثره موجب له أي للأكل دما عند أبي حنيفة وذكر الوجوب باللام تضمينا فيه معنى الإلزام ، وفي قليله صدقة بقدره أي بقدر الدم يعني إن التزق الطيب بثلث فمه يلزمه صدقة تبلغ ثلث الدم ، وإن التزق بنصفه فصدقة تبلغ نصفه عند أبي حنيفة ، وقالا : لا شيء عليه في أكل الطيب قل أو كثر ; لأنه استهلاك لا استعمال ( قوله : فعلم أن مفهوم شرطه إلخ ) أي الشرط الواقع في المتن بقوله إن طيب ، وهو تفريع على ما في المجمع ( قوله : وعلى تقدير الطيب في الثوب [ ص: 4 ] بالزمان إلخ ) معطوف على قوله إن الشعر إلخ ، وفي اللباب لا يشترط بقاء الطيب في البدن زمانا لوجوب الجزاء ويشترط ذلك في الثوب فلو أصاب جسده طيب كثير فعليه دم ، وإن غسل من ساعته وينبغي أن يأمر غيره فيغسله ، وإن أصاب ثوبه فحكه أو غسله فلا شيء عليه ، وإن كثر ، وإن مكث عليه يوما فعليه دم ، وإلا فصدقة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : فلا بد من إزالته إلخ ) وينبغي أن يأمر غيره أي إن وجد غير محرم فيغسله لئلا يصير عاصيا باستعماله حال غسله ، وإن زال الطيب بصب الماء اكتفى به شرح اللباب . ( قوله : فإن بلغ عضوا كاملا ) الظاهر أن المراد أصغر عضو من الأعضاء التي أصابها الطيب كما في انكشاف أعضاء العورة في الصلاة وليراجع المنقول ( قوله : فلا بأس به ) قال في شرح اللباب : إلا أن الأولى تركه لما فيه من الزينة إلا إذا كان عن ضرورة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : والمراد بالمرار المرتان فأكثر ) تأويل بعيد ينافيه قوله : كثيرة على أن عبارة قاضي خان هكذا ، وإن اكتحل بكحل فيه طيب مرة أو مرتين عليه الدم في قول أبي حنيفة رحمه الله انتهت ، وهكذا نقلها عنه في الفتح ، وفيه عن المبسوط إذا اكتحل بكحل فيه طيب عليه صدقة إلا أن يكون كثيرا فعليه الدم قال : وما في فتاوى قاضي خان يفيد تفسير المراد بقوله إلا أن يكون كثيرا أنه الكثرة في الفعل لا في نفس الطيب المخالط فلا يلزم الدم بمرة واحدة ، وإن كان الطيب كثيرا في الكحل ويشعر بالخلاف لكن ما في كافي الحاكم من قوله فإن كان فيه طيب يعني الكحل ففيه صدقة إلا أن يكون ذلك مرارا كثيرا فعليه دم لم يحك فيه خلافا ، ولو كان لحكاه ظاهرا كما هو عادة محمد رحمه الله اللهم إلا أن يجعل موضع الخلاف ما دون الثلاث كما يفيده تنصيصه على المرة والمرتين ، وما في الكافي المرار الكثيرة . ا هـ .

                                                                                        وما ذكره المؤلف عن المحيط هو ما في الكافي ، وهو قولهما ، وما في الخانية قول الإمام ويوافقه ما في السراج ، وعن محمد اكتحل بكحل مطيب مرة أو مرتين فعليه صدقة ، وإن كان مرارا كثيرة فعليه فقد صرح بالخلاف ( قوله : وأشار بقوله شاة إلى أن سبع البدنة لا يكفي إلخ ) قال في الشرنبلالية بعد نقله هذه العبارة عنه لكن قال بعده فيما لو أفسد حجه بجماع في أحد السبيلين أنه يقوم الشرك في البدنة مقامها أي الشاة . ا هـ . فليتأمل . ا هـ .

                                                                                        قلت : وقد نقلت في أواخر باب القران عن القهستاني ما هو خلافه أيضا صريحا ، ومثله ما يذكره في باب الهدي [ ص: 5 ] ( قوله : ودم للتغطية إلخ ) قال في الشرنبلالية يشكل بقولهم إن التغطية بما ليس بمعتاد لا توجب شيئا . ا هـ .

                                                                                        قال في حاشية مسكين المراد بما يغطى به عادة ما للفاعل في فعله غرض صحيح كما لو كانت التغطية بالحناء أو الوسمة للتداوي من نحو صداع بدليل التمثيل لما لا تكون التغطية موجبة للدم بالجوالق والإجانة فلا إشكال . ا هـ .

                                                                                        واعترض بأن التغطية بالجوالق والإجانة قد تكون لغرض صحيح كدفع الحر والبرد ، وقد نصوا أنه لا شيء في ذلك . ا هـ . اللهم إلا أن يقال : إن تلبيد الشعر معتاد عند أهل البوادي ونحوهم فيدخل في التغطية المعتادة تأمل . ( قوله : ويشكل عليه ما في الصحيحين إلخ ) أجاب عنه العلامة المقدسي في شرحه بقوله أقول : لا ريب في وجوب حمل فعله عليه السلام على ما هو سائغ بل ما هو أكمل فالتلبيد الذي فعله يسير لا يحصل به تغطية ، ولا يمنع ابتداء فعله في الإحرام ، ولا بقاؤه والموجب للدم يحمل على المبالغة فيه بحيث تحصل منه تغطية . ا هـ .

                                                                                        ويمكن حمل ما ذكره رشيد الدين على هذا فليتأمل ( قوله : وقيد الخضاب بالرأس إلخ ) قال في النهر فيه نظر والتحقيق أن الرأس مثال لا قيد والمراد بها العضو حتى لو خضب بها عضوا من أعضائه وجب ، وهذا ; لأن من اعتبر في حد الكثرة العضو لا معنى للتفريق على قوله بين الرأس وغيره ولهذا سوى في الفتح بين الرأس واليد فقال : وكذا لو خضبت يدها بها ، ولم يقيده بقلة ، ولا كثرة ، وما في الإسبيجابي مبني على اعتبار الكثرة في نفس الطيب ، ولا تنس ذلك التوفيق .

                                                                                        ( قوله : وهو سهو منه ) قال في النهر : هو الساهي وذلك أن صاحب المعراج إنما نقل هذا عن المبسوط فيما لو اختضب بالوسمة فقال : ما لفظه ذكر في المبسوط خضب رأسه بالوسمة فعليه دم للخضاب بل لتغطية الرأس هذا هو الصحيح فإن خضب لحيته فليس عليه دم ، ولكن إن خاف من قتل الدواب أعطى شيئا ; لأن فيه معنى الجناية من هذا الوجه لكونه غير متكامل فيلزمه الدم والصدقة منهما أي من خضاب الرأس فإنه مضمون بالدم وخضاب اللحية فإنه مضمون بالصدقة كما ذكر في المبسوط . ا هـ .

                                                                                        وكيف يكون ما في الجامع دليلا على أن كلا منهما مضمون على ما توهم ، ولا اشتراك بينهما إذ وجوب الدم يغاير وجوب الصدقة ويلزمه إيجاب الصدقة أيضا فيما لو دهنها بالخطمي ، وقد جزموا فيه بوجوب الدم عنده . ا هـ .

                                                                                        وقال في الشرنبلالية قلت والمراد بالصدقة هنا غير المصطلح عليها بتقديرها بنصف صاع بل أعم لقوله في المعراج أعطى شيئا فإطلاق صاحب البحر فيه ما فيه من هذا القبيل أيضا ( قوله : باعتبار أنه يغلف رأسه ) أي يغطيه ، وقوله : وهذا أي تأويل أبي يوسف بالتغليف صحيح ; لأن تغطية الرأس توجب الجزاء [ ص: 6 ]

                                                                                        ( قوله : لكنه يتخير إذا كان لعذر ) أي يتخير بين الدم والصوم والإطعام ( قوله : وكذا إذا أكل الكثير من الطيب إلخ ) ، وإن كان قليلا بأن لم يلتصق بأكثر فمه فعليه الصدقة ، وهذا كله إذا أكله كما هو أي من غير خلط أو طبخ أما إذا خلطه بطعام قد طبخ كالزعفران فلا شيء عليه سواء مسه النار أو لا وسواء يوجد ريحه أو لا إلا أنه يكره إن وجد ريحه ، وإن خلط بما يؤكل بلا طبخ كالزعفران بالملح فالعبرة بالغلبة فإن كان الغالب الملح فلا شيء عليه غير أنه إن كان رائحته موجودة كره أكله ، وإن كان الغالب الطيب ففيه الدم لباب ( قوله : فهو كالخالص ) أي فيجب الجزاء ، وإن لم تظهر رائحته كذا في الفتح ( قوله : وينبغي أن يسوي إلخ ) أقول : لم يفرق الزيلعي في المخلوط بالمأكول بين الغالب والمغلوب ، وظاهر كلامه عدم الفرق بينه وبين المشروب فإنه قال : لو أكل زعفرانا مخلوطا بطعام أو طيب آخر ، ولم تمسه النار يلزمه دم ، وإن مسته فلا شيء عليه ، وعلى هذا التفصيل في المشروب . ا هـ . وهو ظاهر ما يأتي عن الحلبي أيضا .

                                                                                        ( قوله : وظهر لي أنه إن وجد إلخ ) انظر هل يمكن أن يجري هنا ما مر عن الفتح من الفرق بين القليل والكثير في الثوب ثم إن هذا الفرق ينافيه ما قدمناه عن الفتح من أنه إذا كان الطيب غالبا يجب الجزاء ، وإن لم تظهر رائحته فإنه يقتضي أن المناط كثرة الأجزاء لا وجود الرائحة تأمل ( قوله : ثم قال إلخ ) يعني أنهم أوجبوا الكفارة فيما إذا أكل أو شرب مما كان الطيب فيه غالبا ، ولم يفصلوا بين ما إذا أكل أو شرب من ذلك قليلا أو كثيرا ، وكذا فيما إذا كان مغلوبا وينبغي التفصيل المذكور فإنه يبعد أن يجب بأكل لقمة مثلا كما يجب بأكل الكثير ( قوله : وأكل منه أو شرب كثيرا ) الضمير يعود إلى المخلوط بالطيب الغالب طعاما أو شرابا ( قوله : فإن في أكل الكثير دما والقليل صدقة ) قال : في الشرنبلالية يتأمل في حكم المسك المضاف [ ص: 7 ] إلى الحلوى مع ما قدمناه من اختلاطه بما يؤكل ويطبخ ، وفيما إذا لم يطبخ . ا هـ .

                                                                                        أي فإن الذي تقدم أنه إن جعله في طعام وطبخ فلا شيء عليه ، وإن خلطه بما يؤكل بلا طبخ فإن كان مغلوبا فلا شيء عليه ، وإن كان غالبا وجب الجزاء ، وإن لم تظهر رائحته ، وعلى هذا فالظاهر أن هذه الحلوى غير مطبوخة ، وإن طيبها غالب ليوافق ما تقدم .




                                                                                        الخدمات العلمية