الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب

قرأ الحسن، وأبو رجاء : "الرياح"، والجمهور على الإفراد، وسخر الله تعالى الريح لسليمان عليه السلام، وكان له كرسي عظيم، يقال: يحمل أربعة آلاف فارس، ويقال: أكثر، وفيه الشياطين، وتظله الطير، وتأتي عليه الريح الإعصار فتقله من الأرض حتى يحصل في الهواء، ثم يتولاه الرخاء، وهي اللينة القوية المتشابهة [ ص: 350 ] لا تأتي فيها دفع مفرطة، فتحمله، غدوها شهر، ورواحها شهر و حيث أصاب أي: أراد، قاله وهب وغيره، وأنشد الثعلبي :


أصاب الكلام فلم يستطع ... فأخطا الجواب لدى المفصل



ويشبه أن "أصاب" معدى: صاب يصوب، أي: حيث وجه جنوده وجعلهم يصوبون صوب السحاب والمطر. قال الزجاج : معناه: قصد، وكذلك قولك للمتكلم: "أصبت": معناه: قصدت الحق.

وقوله تعالى: كل بناء وغواص بدل من "الشياطين"، والمعنى: كل من بنى مصانعه للحروب. و"مقرنين" معناه: موثقين، قد قرن بعضهم ببعض، و"الأصفاد": القيود والأغلال.

واختلف الناس في المشار إليه بقوله: هذا عطاؤنا ، فقال قتادة : إشارة إلى ما فعله بالجن، فامنن على من شئت منهم، وأطلقه من وثاقه وسرحه من خدمته، أو أمسك أمره كما تريد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أشار إلى ما وهبه من النساء وأقدره عليه من جماعهن، وقال الحسن: أشار إلى جميع ما أعطاه من الملك، وأمره بأن يمن على من يشاء ويمسك عمن يشاء، فكأنه وقفه على قدر النعمة ثم أباح له التصرف فيه بمشيئته، وهو تعالى قد علم منه أن مشيئته إنما تتصرف بحكم طاعة الله. وهذا أصح الأقوال وأجمعها لتفسير الآية. وباقي الآية بين.

التالي السابق


الخدمات العلمية