الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وفي أخذ شاربه حكومة عدل ) مخالف لما أفاده أولا بقوله : وإلا تصدق فإن الشارب بعض اللحية ، وهو إذا كان أقل من الربع ففيه الصدقة ، ومبني على ضعيف ، وهو قول محمد في تطييب بعض العضو حيث قال : يجب بقدره من الدم ، وأما المذهب فوجوب الصدقة فالحاصل كما في المحيط أن في حلق الشارب ثلاثة أقوال المذهب وجوب الصدقة كما ذكره في الكافي للحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد وصححه في غاية البيان والمبسوط ; لأنه تبع للحية ، وهو قليل ; لأنه عضو صغير ، وسواء حلقه كله أو بعضه والقول الثاني ما ذكره في الكتاب تبعا لما في الهداية أنه ينظر إلى الشارب كم يكون من ربع اللحية فيلزمه من الصدقة بقدره حتى لو كان مثل ربع ربعها لزمه ربع قيمة الشاة أو ثمنها فثمنها ، وفي فتح القدير والواجب أن ينظر إلى نسبة المأخوذ من ربع اللحية معتبرا معها الشارب كما يفيده ما في [ ص: 12 ] المبسوط من كون الشارب طرفا من اللحية هو معها عضو واحد لا أنه ينسب إلى ربع اللحية غير معتبر الشارب معها فعلى هذا إنما يجب ربع قيمة الشاة إذا بلغ المأخوذ من الشارب ربع المجموع من اللحية مع الشارب لا دونه . ا هـ .

                                                                                        القول الثالث لزوم الدم بحلقه ; لأنه مقصود بالحلق يفعله الصوفية وغيرهم ، وقد ظن صاحب الهداية من تعبير محمد في الجامع الصغير هنا بالأخذ أن السنة قص الشارب لا حلقه ردا على الطحاوي القائل بسنية الحلق ، وليس كما ظن ; لأن محمدا لم يقصد هنا بيان السنة ، وإنما قصد بيان حكم هذه الجناية بإزالة الشعر بأي طريق كان ; ولهذا ذكر الحلق في الإبط واختار في الهداية سنية النتف لا الحلق ; ولأن الأخذ أعم من الحلق ; لأن الحلق أخذ ، وليس القص متبادرا من الأخذ والوارد في الصحيحين { أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى } ، وهو المبالغة في القطع فبأي شيء حصل حصل المقصود غير أنه بالحلق بالموسى أيسر منه بالقصة فلذا قال الطحاوي : الحلق أحسن من القص ، وقد يكون مثله بسبب بعض الآلات الخاصة بقص الشارب ، وأما ذكر القص في بعض الأحاديث فالمراد منه المبالغة في الاستئصال وبما قررناه اندفع ما في البدائع من أن الصحيح أن السنة فيه القص ، وإعفاء اللحية تركها حتى تكث وتكثر ، والسنة قدر القبضة فما زاد قطعه .

                                                                                        [ ص: 12 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 12 ] ( قوله : ردا على الطحاوي إلخ ) حيث قال : القص حسن وتفسيره أن يقص حتى ينتقص عن الإطار ، وهو بكسر الهمزة ملتقى الجلدة واللحم من الشفة ، وكلام المصنف أي صاحب الهداية على أن يحاذيه ثم قال الطحاوي والحلق أحسن ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والمذهب عند المتأخرين من مشايخنا أن السنة القص . ا هـ .

                                                                                        كذا في الفتح ( قوله : ; لأن الحلق أخذ ) قال في الفتح والذي ليس أخذا هو النتف ( قوله : وهو المبالغة في القطع ) قال نوح أفندي والمراد بالإحفاء هنا قطع ما طال على الشفتين حتى تبدو الشفة العليا لا القص من أصله فالمعنى بالغوا في قص ما طال من الشوارب حتى يبين طرف الشفة العليا بيانا ظاهرا ويستحب الابتداء بقص الجهة اليمنى من الشارب واختلفوا هل يقص طرفاه أيضا ، وهما المسميان بالسبالين أم يتركهما كما يفعله كثير من الناس قيل لا بأس بترك سباليه فعل ذلك عمر وغيره ، وقيل كره بقاء السبال لما فيه من التشبه بالأعاجم بل بالمجوس ، وأهل الكتاب ، وهذا أولى بالصواب لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر قال { ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال : إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم فكان ابن عمر يجز كما تجز الشاة أو البعير } قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : وأما الشارب فهو الشعر النابت على الشفة العليا واختلف في جانبيه ، وهما السبالان فقيل هما من الشارب فيشرع قصهما معه ، وقيل هما من جملة شعر اللحية . ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا يحمل ما روي عن عمر إن ثبت أنه كان بشيء يذهب إلى الثاني ، والله تعالى أعلم . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وإعفاء اللحية تركها إلخ ) قال : في غاية البيان اختلف الناس في إعفاء اللحى ما هو فقال بعضهم تركها حتى تطول فذاك إعفاؤها من غير قص ، ولا قصر ، وقال : أصحابنا الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر والقص سنة فيها ، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة قال : وبه نأخذ وذكر هنالك عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك ( قوله : والسنة قدر القبضة إلخ ) تقدم الكلام على ذلك في كتاب الصوم قبيل فصل العوارض .




                                                                                        الخدمات العلمية