الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب زكاة بهيمة الأنعام قوله ( ولا تجب إلا في السائمة منها ) هذا المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم ، وقيل : تجب في المعلوفة أيضا ، قال ابن تميم : ونصر ابن عقيل وجوب الزكاة في المعلوفة في غير موضع من فنونه . انتهى . وذكر ابن عقيل في عمد الأدلة والفنون تخريجا بوجوب الزكاة فيما أعد للإجارة من العقار والحيوان وغيره في القيمة وقال في الرعاية : فلو كان نتاج النصاب المباع له في الحول رضيعا غير سائم في بقية حول أمهاته ، فوجهان . انتهى ، وأطلقهما ابن تميم ، وأطلقهما بعضهم احتمالين قال في الفروع : وقيل : تجب فيما أعد للعمل كالإبل التي تكرى ، وهو أظهر ونصه لا . انتهى . قوله وهي التي ترعى في أكثر الحول هذا المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم ، ونص عليه في رواية صالح وغيره ، وقيل : يعتبر أن ترعى الحول كله . زاد بعض الأصحاب : ولا أثر لعلف يوم أو يومين ، وظاهر كلام القاضي في أحكامه : عدم اشتراط أكثر الحول ، قاله ابن تميم [ ص: 46 ]

تنبيه : يستثنى من ذلك العوامل ، ولو كانت سائمة ، نص عليه في رواية جماعة ، وقاله المجد ، وابن حمدان ، وصاحب الحاوي ، والزركشي ، وقدمه في الفروع وغيرهم . قال في الرعاية الكبرى : ولا زكاة في عوامل أكثر السنة بحال ولو بأجرة ، وقيل : تجب في المؤجرة السائمة . قال في الفروع : وهو أظهر ، وقال في الرعاية : ولا تجب في الربائب في الأصح ، وإن كانت سائمة . انتهى .

فوائد : إحداها : لا يعتبر للسوم والعلف نية ، على الصحيح من المذهب نصره المصنف ، ورجحه أبو المعالي ، قال ابن تميم ، وصاحب الفائق ، وحواشي ابن مفلح : لا يعتبر في السوم والعلف نية في أصح الوجهين ، وقيل : تعتبر النية لهما ، قال المجد في شرحه : وهو أصح ، وهو ظاهر كلام الخرقي .

وأطلقهما في الفروع ، والرعايتين ، والحاويين ، والزركشي . فلو اعتلفت بنفسها ، أو علفها غاصب ، فلا زكاة على الأول ; لفقد السوم المشترط وعلى الثاني : تجب كما لو غصب حبا وزرعه في أرض ربه ، فإن فيه الزكاة على مالكه ، كما لو نبت بلا زرع ، وفعل الغاصب محرم ، كما لو غصب أثمانا فضاعفها ، ولعدم المؤنة كما لو ضلت فأكلت المباح ، قال المجد : وطرده ما لو سلمها إلى راع يسيمها فعلفها . وعكسهما : لو تبرع حاكم ، أو وصي بعلف ماشية يتيم ، أو صديق بذلك بإذن صديقه ، لفقد قصد الإسامة ممن يعتبر وجوده منه ، وقيل : تجب إذا علفها غاصب ، اختاره غير واحد ، وفي مأخذه وجهان : تحريم علف الغاصب ، أو لانتفاء المؤنة عن ربها ، وأطلقهما في الفروع ، وابن تميم ، وابن حمدان . [ ص: 47 ]

قلت : الصواب الثاني ، واختاره الأبهري ، والأول : اختاره القاضي ، ورده المصنف وغيره ، ولو سامت بنفسها ، أو أسامها غاصب ، وجبت الزكاة على الأول لا الثاني ; لأن ربها لم يرض بإسامتها ، فقد فقد قصد الإسامة المشترط ، زاد صاحب المغني ، والمحرر : كما لو سامت من غير أن يسيمها ، قال في الفروع : فجعلاه أصلا . وكذا قطع به أبو المعالي . وقيل : يجب إن أسامها الغاصب ، لتحقق الشرط ، كما لو كمل النصاب بيد الغاصب ، وإن لم يعتد بسوم الغاصب : ففي اعتبار كون سوم المالك أكثر السنة وجهان ، وأطلقهما في الفروع ، وابن تميم ، وابن حمدان في الكبرى .

أحدهما : عدم اعتبار ذلك ، وهو ظاهر كلام المصنف في المغني ، والشارح ، وابن رزين ، وقال الأصحاب : يستوي غصب النصاب وضياعه كل الحول أو بعضه وقيل : إن كان السوم عند الغاصب أكثر ، فالروايتان ، وإن كان عند ربها أكثر وجبت ، وإن كانت سائمة عندهما وجبت الزكاة ، على رواية وجوب الزكاة في المغصوب وإلا فلا . الثانية : يشترط في السوم أن ترعى المباح ، فلو اشترى ما ترعاه ، أو جمع لها ما تأكل ، فلا زكاة فيها ، قاله الأصحاب . الثالثة : هل السوم شرط ، أو عدم السوم مانع ؟ فيه وجهان ، وأطلقها في الفروع ، وابن تميم . والرعاية الكبرى ، والفائق ، فعلى الأول : لا يصح التعجيل قبل الشروع ، ويصح على الثاني ، قلت : قطع المصنف في المغني والشارح وغيرهما بأن السوم شرط ، قلت : منع ابن نصر الله في حواشي الفروع من تحقق هذا الخلاف ، وقال : كل ما كان وجوده شرطا كان عدمه مانعا ، كما أن كل مانع فعدمه شرط ، ولم [ ص: 48 ] يفرق أحد بينهما بل نصوا على أن المانع عكس الشرط ، وأطال الكلام على ذلك وقال في الفروع في الخلطة ، في أول الفصل الثاني : التعلق بالعين لا يمنع انعقاد الحول اتفاقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية