الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3083 64 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، قال : حدثني مالك بن أنس ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ، قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، [ ص: 159 ] قال : بلى ، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني ، وصفوان بن سليم بضم السين وفتح اللام المدني ، وعطاء بن يسار ضد اليمين .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في صفة الجنة أيضا ، عن عبد الله بن جعفر ، وعن هارون بن سعيد ، كلاهما عن مالك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عن صفوان " وفي رواية مسلم " أخبرني صفوان " ووهم أيوب بن سويد ، فرواه عن مالك ، عن زيد بن أسلم بدل صفوان ، ذكره الدارقطني في الغرائب . قوله : " عن أبي سعيد " وفي رواية فليح عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة أخرجه الترمذي ، وصححه ابن خزيمة ، ونقل الدارقطني في الغرائب ، عن الذهلي أنه قال : لست أرفع حديث فليح ، يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد وعن أبي هريرة . قوله : " يتراءون " على وزن يتفاعلون من باب التفاعل ، أي يرون وينظرون ، وفيه معنى التكلف كما في قول أبي البختري تراءينا الهلال ، أي تكلفنا النظر إليه ، هل نراه أم لا ، وفي رواية مسلم " يرون " وهذا يدل على أن باب التفاعل هنا ليس على بابه . قوله : " الغرف " بضم الغين وفتح الراء جمع غرفة ، وهي العلية .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الغابر " بالغين المعجمة والباء الموحدة ، كذا هو في رواية الأكثرين ، وفي رواية الموطأ الغاير بالياء آخر الحروف ، ومعناه الداخل في الغروب ، ومعنى الغابر بالباء الموحدة الذاهب ، وهو من الأضداد ، يقال : غبر بمعنى ذهب وبمعنى بقي ، وفي رواية الأصيلي " العازب " بالعين المهملة والزاي ، ومعناه : البعيد ، وفي رواية الترمذي العارب بالعين المهملة والراء . قوله : " في الأفق " قال بعضهم : المراد من الأفق السماء .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : الأفق : أطراف السماء ، وقال الطيبي : فإن قلت : ما فائدة تقييد الكواكب بالدري ، ثم بالغابر في الأفق .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : للإيذان بأنه من باب التمثيل الذي وجهه منتزع من عدة أمور متوهمة في المشبه ، شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب الشرق أو الغرب في الاستضاءة مع البعد ، فلو قيل الغابر لم يصح ; لأن الإشراق يفوت عند الغروب اللهم إلا أن يقدر المستشرف على الغروب كقوله تعالى : فإذا بلغن أجلهن لكن لا يصح هذا المعنى في الجانب الشرقي ، نعم على هذا التقدير كقوله :


                                                                                                                                                                                  متقلدا سيفا ورمحا


                                                                                                                                                                                  وعلفته تبنا وماء باردا

                                                                                                                                                                                  أي طالعا في الأفق من المشرق وغابرا في المغرب .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : ما فائدة ذكر الشرق والغرب وهلا قيل في السماء " أي في كبدها .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : لو قيل في السماء لكان القصد الأول بيان الرفعة ويلزم منه البعد ، وفي ذكر المشرق أو المغرب القصد الأول البعد ، ويلزم منه الرفعة . قوله : " قال بلى " وفي رواية أبي ذر بل التي للإضراب ، وقال القرطبي : هكذا وقع هذا الحرف بلى التي أصلها حرف جواب وتصديق ، وليس هذا موضعها ; لأنهم لم يستفهموا ، وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء عليهم السلام لا لغيرهم ، فجواب هذا يقتضي أن تكون بل التي للإضراب عن الأول ، وإيجاب المعنى للثاني ، فكأنه تسومح فيها ، فوضعت بلى موضع بل . قوله : " رجال " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم رجال آمنوا بالله ، أي حق إيمانه وصدقوا المرسلين ، أي حق تصديقهم ، وإلا فكل من يدخل الجنة آمن بالله وصدق رسله .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية