الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          755 حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح واختلف أهل العلم في يوم عاشوراء فقال بعضهم يوم التاسع وقال بعضهم يوم العاشر وروي عن ابن عباس أنه قال صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوم عاشوراء يوم العاشر ) هذا دليل على أن العاشوراء هو اليوم العاشر . قال في اللمعات : مرات صوم المحرم ثلاثة : الأفضل أن يصوم يوم العاشر ويوما قبله ويوما بعده ، وقد جاء ذلك في حديث أحمد . وثانيها : أن يصوم التاسع والعاشر ، وثالثها : أن يصوم العاشر فقط . وقد جاء في التاسع والعاشر أحاديث ، ولهذا لم يجعلوا صوم العاشر والحادي عشر من المراتب ، وإن كان مخالفة اليهود في هذه أيضا ، وكذا لا يجزئ التاسع من [ ص: 383 ] السنة ، انتهى .

                                                                                                          قلت : قال الحافظ في الفتح : ولأحمد مرفوعا عن ابن عباس : صوموا يوم عاشوراء ، خالفوا اليهود ، صوموا يوما قبله أو يوما بعده ، وهذا كان في آخر الأمر ، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان ، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح ، فهذا من ذلك ، فوافقهم أولا وقال : " نحن أحق بموسى منكم " ، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) حديث ابن عباس الأول أخرجه مسلم وأبو داود ، والثاني انفرد به الترمذي وهو منقطع بين الحسن البصري وابن عباس فإنه لم يسمع منه ، وقول الترمذي حديث حسن صحيح لم يوضح مراده أي حديث ابن عباس أراد ، وقد فهم أصحاب الأطراف أنه أراد تصحيح حديثه الأول فذكروا كلامه هذا عقيب حديثه الأول ، فتبين أن الحديث الثاني منقطع وشاذ أيضا لمخالفته للحديث الصحيح المتقدم ، كذا في عمدة القاري للعيني رحمه الله .

                                                                                                          قوله : ( فقال بعضهم : يوم التاسع وقال بعضهم : يوم العاشر ) قال الزين بن المنير : الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية ، وقيل هو اليوم التاسع ، فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية ، وقيل إنما سمي التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الإبل : كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع ، قالوا : وردنا عشرا بكسر العين وكذلك إلى الثلاثة ، كذا في الفتح .

                                                                                                          ( وروي عن ابن عباس ) أنه قال : " صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود " ) لم أقف على من أخرج قول ابن عباس هذا . وأخرج أحمد عنه مرفوعا : صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا قبله يوما وبعده يوما ، كذا في المنتقى . قال الشوكاني : رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة من طريق داود بن علي عن أبيه عن جده رواها عنه ابن أبي ليلى ، قال : وقد أخرجه بمثله البيهقي وذكره في التلخيص [ ص: 384 ] وسكت عنه ، انتهى .

                                                                                                          وأخرج مسلم عنه مرفوعا : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ، وفي رواية له . فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال بعض أهل العلم : قوله -صلى الله عليه وسلم- : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين أحدهما : أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع ، والثاني : أراد أن يضيفه في الصوم ، فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين . قال الحافظ : وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب أدناها أن يصام وحده ، وفوقه أن يصام التاسع معه ، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر ، انتهى .

                                                                                                          ( وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ) قال النووي : قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العاشر ونوى صيام التاسع ، وقد سبق في صحيح مسلم في كتاب الصلاة من رواية أبي هريرة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " ، انتهى كلام النووي .




                                                                                                          الخدمات العلمية