الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                646 [ ص: 369 ] ص: وحجة أخرى، وهي أنا قد رأينا الطهارات تنتقض بأحداث: منها الغائط، والبول، وطهارات تنتقض بخروج أوقات؛ وهي الطهارة بالمسح على الخفين ينقضها خروج وقت المسافر، وخروج وقت المقيم، وهذه الطهارات المتفق عليها لم نجد فيها ما تنقضها صلاة، وإنما ينقضها حدث، أو خروج وقت، وقد ثبت أن طهارة المستحاضة ينقضها الحدث وغير الحدث، فقال قوم: هذا الذي هو غير الحدث هو خروج وقت.

                                                وقال آخرون: هو فراغ من صلاة، ولم نجد الفراغ من الصلاة حدثا في شيء غير ذلك، وقد وجدنا خروج الوقت حدثا في غيره، فأولى الأشياء أن نرجع في هذا الحدث المختلف فيه، فنجعله كالحدث الذي قد أجمع عليه ووجد له أصل، ولا نجعله كما لم يجمع عليه ولم نجد له أصلا.

                                                فثبت بذلك قول من ذهب إلى أنها تتوضأ لوقت كل صلاة، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، - رحمهم الله -.

                                                التالي السابق


                                                ش: ملخص هذه الحجة: أن جعل الفراغ من الصلاة حدثا غير واقع، وجعل خروج الوقت حدثا واقع موجود متفق عليه، فقياس انتقاض وضوء المستحاضة على الأصل الموجود المتفق عليه، أولى من قياسه على شيء غير واقع، فافهم.

                                                قوله: "فقال قوم" أراد بهم: الحنفية.

                                                وقوله: "وقال آخرون" أراد بهم: الشافعية.

                                                هذا الذي ذكره كله بطريق النظر والقياس، وأما إذا ثبت في الحديث: المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة، كان هذا مزيدة توكيد للمذهب.

                                                وقد قال صاحب "المغني": روي في بعض ألفاظ حديث بنت أبي حبيش: "توضئي لوقت كل صلاة" ثم قال: وحديثهم محمول على الوقت كما قال

                                                [ ص: 370 ] النبي -عليه السلام-: "أينما أدركتني الصلاة" أي: وقتها دون فعلها، وحديث حمنة ظاهر في الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد، ألا ترى أنه لم يأمرها بالوضوء بينهما؟

                                                وقال الكاساني: روى أبو حنيفة بإسناده عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة"، وهذا نص في الباب، وهذا محكم، وقوله -عليه السلام-: "المستحاضة تتوضأ لكل صلاة" محتمل، فيحمل المحتمل على المحكم، توفيقا بين الدليلين، صيانة لهما عن التناقض.

                                                ثم إن المستحاضة إذا سال منها الدم بعد الوضوء فذلك لا يمنع من أداء الصلاة ما بقي الوقت لقوله -عليه السلام-: "وإن قطر الدم على الحصير" وأما إذا سال من موضع آخر أعاد الوضوء، وإن كان الوضوء باقيا؛ لأن هذا حدث جديد، وإذا أصاب ثوبها من دم الاستحاضة فعليها أن تغسله، والله أعلم بالصواب.




                                                الخدمات العلمية