الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( البشارة السادسة عشرة )

                          في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا ( 33 اسمعوا مثلا آخر كان إنسان رب بيت غرس كرما وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجا وسلمه إلى كرامين وسافر 34 ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرامين وسافر ليأخذ أثماره 35 فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا 36 ثم أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذلك 37 فأخيرا أرسل إليهم ابنه قائلا : يهابون ابني 38 وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم : هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه 39 فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه 40 فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين ؟ 41 قالوا له أولئك الأردياء يهلكهم هلاكا رديا ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها 42 قال لهم يسوع : أما قرأتم قط في الكتب : الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب ؟ كان هذا وهو عجيب في أعيننا 43 لذلك أقول لكم : إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره 44 ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه 45 ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم .

                          أقول : إن " رب بيت " كناية عن الله ، والكرم كناية عن الشريعة ، وإحاطته بسياج ، وحفر المعصرة فيه ، وبناء البرج كنايات عن المحرمات والمباحات والأوامر والنواهي .

                          [ ص: 235 ] وإن الكرامين الطاغين كناية عن اليهود ، كما فهم رؤساء الكهنة والفريسيون أنه تكلم عليهم ، والعبيد المرسلين كناية عن الأنبياء عليهم السلام ، والابن كناية عن عيسى - عليه السلام - وقد عرفت في الباب الرابع أنه لا بأس بإطلاق هذا اللفظ عليه ، وقد قتله اليهود أيضا في زعمهم ، والحجر الذي رفضه البناءون كناية عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والأمة التي تعمل أثماره كناية عن أمته - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو الحجر الذي كل من سقط عليه ترضض ، وكل من سقط هو عليه سحقه .

                          وما ادعاه علماء المسيحية بزعمهم : أن هذا الحجر عبارة عن عيسى - عليه السلام - فغير صحيح لوجوه : ( الأول ) أن داود - عليه السلام - قال في الزبور المائة والثامن عشر هكذا 22 الحجر الذي رذله البناءون هو صار للزاوية 23 من قبل الرب كانت هذه وهي عجيبة في أعيننا ) فلو كان هذا الحجر عبارة عن عيسى - عليه السلام - ، وهو من اليهود من آل يهوذا من آل داود - عليه السلام - ، فأي عجب في أعين اليهود عموما لكون عيسى - عليه السلام - رأس الزاوية ولاسيما في عين داود - عليه السلام - ، خصوصا لأن مزعوم المسيحيين أن داود - عليه السلام - يعظم عيسى - عليه السلام - في مزاميره تعظيما بليغا ، ويعتقد الألوهية في حقه ، بخلاف آل إسماعيل ؛ فإن اليهود كانوا يحقرون أولاد إسماعيل غاية التحقير فكان كون أحد منهم رأسا للزاوية عجيبا في أعينهم .

                          ( والثاني ) أنه وقع في وصف هذا الحجر " كل من سقط على هذا الحجر ترضض وكل من سقط هو عليه سحقه " ولا يصدق هذا الوصف على عيسى - عليه السلام - لأنه قال : ( وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه ، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم ) كما هو في الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا . وصدقه على محمد - صلى الله عليه وسلم - غير محتاج إلى البيان ؛ لأنه كان مأمورا بتنبيه الفجار الأشرار فإن سقطوا عليه ترضضوا ، وإن سقط هو عليهم سحقهم .

                          ( الثالث ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه وترك منه موضع لبنة فطاف بها النظار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة ، ختم بي البنيان وختم بي الرسل " ولما ثبتت نبوته بالأدلة الأخرى ، كما ذكرت نبذا منها في المسالك السابقة ، فلا بأس بأن أستدل في هذه البشارة بقوله أيضا .

                          ( والرابع ) أن المتبادر من كلام المسيح أن هذا الحجر غير الابن

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية