الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        7006 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثامن : حديث أبي موسى " وعبد العزيز بن عبد الصمد " هو ابن عبد الصمد العمي بفتح المهملة وتشديد الميم ، " وأبو عمران " هو عبد الملك بن حبيب الجوني ، " وأبو بكر " هو ابن أبي موسى الأشعري ، وقد تقدم ذلك في تفسير سورة الرحمن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ) في رواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد : لا أعلمه إلا قد رفعه قال : جنتان من ذهب للمقربين ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين أخرجه الطبري وابن أبي حاتم ورجاله ثقات وفيه رد على ما حكيته على الترمذي الحكيم أن المراد بقوله تعالى ومن دونهما جنتان الدنو بمعنى القرب لا أنهما دون الجنتين المذكورتين قبلهما ، وصرح جماعة بأن الأوليين أفضل من الأخريين ، وعكس بعض المفسرين ، والحديث حجة للأولين ، قال الطبري : اختلف في قوله ومن دونهما جنتان فقال بعضهم : معناه في الدرجة ، وقال آخرون معناه في الفضل ، وقوله جنتان إشارة إلى قوله تعالى ومن دونهما جنتان وتفسير له ، وهو خبر مبتدإ محذوف أي هما جنتان ، وآنيتهما مبتدأ ، و من فضة خبره ؛ قاله الكرماني قال : ويحتمل أن يكون فاعل فضة كما قال ابن مالك مررت بواد إبل كله ، أن كله " فاعل أي جنتان مفضض آنيتهما انتهى . ويحتمل أن يكون بدل اشتمال ، وظاهر الأول أن الجنتين من ذهب لا فضة فيهما وبالعكس ، ويعارضه حديث أبي هريرة : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، الحديث أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان ، وله شاهد عن ابن عمر أخرجه الطبراني وسنده حسن وآخر عن أبي سعيد أخرجه البزار ولفظه : خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة الحديث ، ويجمع بأن الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها ، والثاني صفة حوائط الجنان كلها ، ويؤيده أنه وقع عند البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وعلى هذا فقوله " آنيتهما وما فيهما " بدل من قوله : من ذهب ، ويترجح الاحتمال الثاني .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه ) قال المازري : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب العرب بما تفهم ويخرج لهم الأشياء المعنوية إلى الحس ليقرب تناولهم لها ، فعبر عن زوال الموانع ورفعه عن الأبصار بذلك ، وقال عياض : كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرا ، وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها ، ومنه قوله تعالى جناح الذل فمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى ، ومن لم يفهم ذلك تاه فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها كأن يقول : استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء ، فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته انتهى . ملخصا . وقال الطيبي قوله " على وجهه " : حال من رداء الكبرياء ، وقال الكرماني : هذا الحديث من المتشابهات فإما مفوض وإما متأول بأن المراد بالوجه الذات ، والرداء صفة من صفة الذات اللازمة المنزهة عما يشبه المخلوقات ، ثم استشكل ظاهره [ ص: 442 ] بأنه يقتضي أن رؤية الله غير واقعة ، وأجاب بأن مفهومه بيان قرب النظر إذ رداء الكبرياء لا يكون مانعا من الرؤية فعبر عن زوال المانع عن الإبصار بإزالة المراد انتهى . وحاصله : أن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكأن في الكلام حذفا تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء : فإنه يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه ، فكأن المراد أن المؤمنين إذا تبوءوا مقاعدهم من الجنة لولا ما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل ، فإذا أراد إكرامهم حفهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه ، ثم وجدت في حديث صهيب في تفسير قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ما يدل على أن المراد برداء الكبرياء في حديث أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب ، وأنه سبحانه يكشف لأهل الجنة إكراما لهم ، والحديث عند مسلم والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول الله عز وجل : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة ؟ قال : فيكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم منه ، ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أخرجه مسلم عقب حديث أبي موسى ، ولعله أشار إلى تأويله به ، وقال القرطبي : في المفهم الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الآخر : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، وليس المراد الثياب المحسوسة ؛ لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما ، ومعنى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالا للنعمة ، فإذا زال المانع فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء فكأنه رفع عنهم حجابا كان يمنعهم ، ونقل الطبري عن علي وغيره في قوله تعالى ولدينا مزيد قال هو النظر إلى وجه الله .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( في جنة عدن ) قال ابن بطال : لا تعلق للمجسمة في إثبات المكان لما ثبت من استحالة أن يكون سبحانه جسما أو حالا في مكان ، فيكون تأويل الرداء : الآفة الموجودة لأبصارهم المانعة لهم من رؤيته ، وإزالتها فعل من أفعاله يفعله في محل رؤيتهم فلا يرونه ما دام ذلك المانع موجودا ، فإذا فعل الرؤية زال ذلك المانع وسماه رداء لتنزله في المنع منزلة الرداء الذي يحجب الوجه عن رؤيته فأطلق عليه الرداء مجازا ، وقوله " في جنة عدن " راجع إلى القوم ، وقال عياض معناه راجع إلى الناظرين أي وهم في جنة عدن لا إلى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه ، وقال القرطبي يتعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل : كائنين في جنة عدن ، وقال الطيبي : قوله " في جنة عدن متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف فيقيد بالمفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة ، وإليه أشار التوربشتي بقوله : يشير إلى أن المؤمن إذا تبوأ مقعده والحجب مرتفعة والموانع التي تحجب عن النظر إلى ربه مضمحلة إلا ما يصدهم من الهيبة كما قيل :

                                                                                                                                                                                                        أشتاقه فإذا بدا أطرقت من إجلاله

                                                                                                                                                                                                        فإذا حفهم برأفته ورحمته رفع ذلك عنهم تفضلا منه عليهم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية