الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1717 ) فصل : ولا يجوز إخراج المعيبة عن الصحاح ، وإن كثرت قيمتها ; للنهي عن أخذها ، ولما فيه من الإضرار بالفقراء ، ولهذا يستحق ردها في البيع وإن كثرت قيمتها وإن كان في النصاب صحاح ومراض ، أخرج صحيحة ، قيمتها على قدر قيمة المالين ، فإن كان النصاب كله مراضا إلا مقدار الفرض ، فهو مخير بين إخراجه ، وبين شراء مريضة قليلة القيمة فيخرجها ، ولو كانت الصحيحة غير الفريضة بعدد الفريضة ، مثل من وجب عليه [ ص: 244 ] ابنتا لبون ، وعنده حواران صحيحان ، كان عليه شراء صحيحتين ، فيخرجهما .

                                                                                                                                            وإن وجبت عليه حقتان وعنده ابنتا لبون صحيحتان ، خير بين إخراجهما مع الجبران ، وبين شراء حقتين صحيحتين على قدر قيمة المال . وإن كان عنده جذعتان صحيحتان ، فله إخراجهما مع أخذ الجبران . وإن كانت عليه حقتان ونصف ماله صحيح ونصفه مريض فقال ابن عقيل له إخراج حقة صحيحة ، وحقة مريضة ; لأن النصف الذي يجب فيه إحدى الحقتين مريض كله .

                                                                                                                                            والصحيح في المذهب خلاف هذا ; لأن في ماله صحيحا ومريضا ، فلم يملك إخراج مريضة ، كما لو كان نصابا واحدا ، ولم يتعين النصف الذي وجبت فيه الحقة في المراض ، وكذلك لو كان لشريكين ، لم يتعين حق أحدهما في المراض دون الآخر . وإن كان النصاب مراضا كله ، فالصحيح في المذهب جواز إخراج الفرض منه ، ويكون وسطا في القيمة ، ولا اعتبار بقلة العيب وكثرته ; لأن القيمة تأتي على ذلك .

                                                                                                                                            وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقال مالك إن كانت كلها جرباء أخرج جرباء ، وإن كانت كلها هتماء كلف شراء صحيحة . وقال أبو بكر لا تجزئ إلا صحيحة لأن أحمد قال : لا يؤخذ إلا ما يجوز في الأضاحي ، وللنهي عن أخذ ذات العوار ، فعلى هذا يكلف شراء صحيحة بقدر قيمة المريضة . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم { : إياك وكرائم أموالهم } وقال { إن الله تعالى لم يسألكم خيره ، ولم يأمركم بشره . } رواه أبو داود ، ولأن مبنى الزكاة على المواساة ، وتكليف الصحيحة عن المراض إخلال بالمواساة ، ولهذا يأخذ من الرديء من الحبوب والثمار من جنسه ، ويأخذ من اللئام والهزال من المواشي من جنسه ، كذا هاهنا . وقد ذكرنا أن الاستثناء في الحديث يدل على جواز إخراج المعيبة في بعض الأحوال ، أو نحمله على ما إذا كان فيه صحيح ، فإن الغالب الصحة ، وإن كان جميع النصاب مريضا إلا بعض الفريضة ، أخرج الصحيحة ، وتمم الفريضة من المراض على قدر المال ، ولا فرق في هذا بين الإبل والبقر والغنم ، والحكم في الهرمة كالحكم في المعيبة سواء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية