الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وإذا كان الرهن مركوبا ، أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحريا للعدل في ذلك وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع ، وإن عجز عن استئذانه ، ولم يستأذن الحاكم ، فعلى روايتين وكذلك الحكم في الوديعة ، وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكتري ، وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإذا كان الرهن مركوبا ، أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته ) وجملته أن الرهن ينقسم إلى حيوان ، وغيره ، والأول نوعان أحدهما : إذا كان مركوبا ، أو محلوبا ، فنص أحمد في رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم أن للمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته ( متحريا للعدل في ذلك ) هذا هو المشهور لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الظهر يركب بنفقته إذا [ ص: 239 ] كان مرهونا ، ولبن الدر بنفقته إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة . رواه البخاري ، ولأن الحيوان نفقته واجبة وللمرتهن فيه حق ، وقد أمكنه استيفاء حقه فجاز ، كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند عدم الإنفاق عليها ، لا يقال : من منافعه مع بقاء عينه ، المراد به أن الراهن ينفق وينتفع ؛ لأنه مدفوع بما روي : إذا كانت الدابة مرهونة ، فعلى المرتهن علفها . فجعل المرتهن هو المنفق فيكون هو المنتفع وقوله : بنفقته أي : بسببها ، إذ الانتفاع عوض النفقة وذلك إنما يتأتى من المرتهن أما الراهن فإنفاقه ، وانتفاعه ليسا بسبب الركوب ، ولو تركت لذهبت مجانا ، وكذا اللبن لو ترك لفسد وبيعه أولا فأولا متعذر ، والحيوان لا بد له من نفقة ، فقد يتعذر من المالك وبيع بعض الرهن فيها قد يفوت الحق بالكلية ، وهذا فيما إذا أنفق محتسبا بالرجوع ، فإن كان متبرعا لم ينتفع رواية واحدة ، ثم إن فضل من اللبن شيء ، ولم يمكن بقاؤه إلى حلول الدين فله بيعه بإذن مالكه ، وإلا باعه الحاكم ، وعنه : لا يحتسب له بما أنفق ، ولا ينتفع من الرهن بشيء ، وهو قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام : لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه ، وعليه غرمه . رواه الشافعي ، والدارقطني وحسن إسناده من حديث أبي هريرة ، ولأنه ملك غيره لم يأذن له في ذلك ، فلم يكن له كغير الرهن ، والأولى أصح في المحلوب ما إذا كانت أمه مرضعة فله أن يسترضعها ، ذكره أبو بكر ، ونص عليه ابن حمدان ، وعلى ما ذكره المؤلف لا فرق بين أن ينفق مع تعذر النفقة من الراهن لغيبة ، أو امتناع ، أو مع القدرة على أخذها منه ، أو استئذانه ، صرح به في " المغني " ، و " الشرح " ، وذكر جماعة : مع غيبة ربه ، زاد ابن حمدان ، أو امتناعه [ ص: 240 ] النوع الثاني : الحيوان غير المركوب ، والمحلوب كالعبد ، والأمة فليس للمرتهن أن ينفق عليه ويستخدمه بقدرها في ظاهر المذهب قصرا للنص على مورده ، والثانية : بلى لفهم العلة ، وهو ذهاب المنفعة . ونقل حنبل يستخدم العبد ، وفي " الكافي " إنه قد خالف الجماعة ، وهذا كله إذا كان الدين غير قرض ، فإن كان قرضا لم يجز ، نص عليه حذارا من قرض جر منفعة .

                                                                                                                          القسم الثاني : وهو مما لا يحتاج إلى مؤنة كالدار ، والمتاع ، فلا يجوز للمرتهن الانتفاع بشيء منه بغير خلاف نعلمه ؛ لأن نماء الرهن يسلك به مسلكه ، نعم إن أذن له الراهن في الانتفاع ، ولم يكن الدين عن قرض جاز لوجود طيب النفس .

                                                                                                                          ( وإن أنفق على الرهن ) أي الحيوان ( بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع ) أي : لا يرجع بشيء ، صرح به أبو الخطاب وغيره ؛ لأنه تصدق به ، فلم يرجع بعوضه كالصدقة على مسكين ، أو لأنه مفرط حيث لم يستأذن المالك ، إذ الرجوع فيه معنى المعاوضة فافتقر إلى الإذن ، والرضى كسائر المعاوضات ، وظاهره ولو نوى الرجوع ، وصرح به في " الفروع " واقتضى أنه إذا أنفق بإذن المالك أنه يرجع ؛ لأنه ناب عنه في الإنفاق أشبه ما لو وكله فيه ( وإن عجز عن استئذانه ، ولم يستأذن الحاكم ، فعلى روايتين ) إحداهما : يرجع ، جزم بها في " الوجيز " ؛ لأنه أنفق عليه عند العجز عن استئذانه ، وهو محتاج إليه لحراسة حقه أشبه ما لو عجز عن استئذان الحاكم ، والثانية : لا يرجع بشيء ؛ لأن [ ص: 241 ] النفقة معاوضة فافتقرت إلى رضى المالك ، أو من يقوم مقامه كسائر المعاوضات ومقتضاه أنه إذا عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم أنه يرجع ؛ لأنه يقوم مقام المالك ، وفي " الفروع " إذا تعذر رجع إن أشهد بالأقل مما أنفق ، أو نفقة مثله ، وإلا فروايتان ( وكذلك الحكم في الوديعة ، وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكتري ) ؛ لأنها أمانة أشبهت الرهن ، وذكر الجمال على سبيل ضرب المثال ؛ لأن حكم كل حيوان مؤجر كذلك ( وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة ) ؛ لأن عمارتها ليست بواجبة على الراهن ، فلم يكن لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه بخلاف نفقة الحيوان لحرمته في نفسه وحينئذ ليس له الانتفاع بها بقدر عمارتها وله الرجوع بآلته فقط على المذهب ، وقيل : وبما يحفظ به مالية الدار وأطلق في " النوادر " أنه يرجع ، وقاله الشيخ تقي الدين فيمن عمر وقفا بالمعروف ليأخذ عوضه أخذه من مغله .




                                                                                                                          الخدمات العلمية