الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 247 ] الثاني : إذا قال : حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا أو قال : قال ابن المسيب كذا ، أو فعل كذا ، أو كان ابن المسيب يفعل ، وشبه ذلك ، فقال أحمد بن حنبل ، وجماعة : لا تلتحق أن وشبهها بعن بل يكون منقطعا حتى يتبين السماع ، وقال الجمهور : ( أن ) كـ ( عن ) ، ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم .

        التالي السابق


        ( الثاني : إذا قال ) الراوي ، كمالك مثلا : ( حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدث [ ص: 248 ] بكذا أو قال ) الزهري : ( قال ابن المسيب كذا ، أو فعل كذا ، أو ) قال ( كان ابن المسيب يفعل ، وشبه ذلك .

        فقال أحمد بن حنبل ، وجماعة ) منهم فيما حكاه ابن عبد البر ، عن البرديجي ( لا تلتحق أن وشبهها بعن ) في الاتصال ، ( بل يكون منقطعا ، حتى يتبين السماع ) في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى .

        ( وقال الجمهور ) فيما حكاه عنهم ابن عبد البر منهم : مالك ( أن كعن ) في الاتصال ، ( ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم ) من اللقاء ، والبراءة من التدليس .

        قال ابن عبد البر : ولا اعتبار بالحروف ، والألفاظ ، وإنما هو باللقاء ، والمجالسة ، والسماع ، والمشاهدة .

        قال : ولا معنى لاشتراط تبين السماع لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء أتى فيه بعن ، أو بأن ، أو بقال أو بسمعت فكله متصل .

        قال العراقي : ولقائل أن يفرق بأن للصحابي مزية حيث يعمل بإرساله بخلاف غيره .

        قال ابن الصلاح : ووجدت مثل ما حكي عن البرديجي للحافظ يعقوب بن أبي شيبة في مسنده ، فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير ، عن محمد بن الحنفية ، عن عمار قال : [ ص: 249 ] أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام ، وجعله مسندا موصولا .

        وذكر رواية قيس بن سعد لذلك ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن الحنفية أن عمارا مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ( ق 74 \ ب ) وهو يصلي ، فجعله مرسلا من حيث كونه ، قال : إن عمارا فعل ، ولم يقل ، عن عمار انتهى .

        قال العراقي : ولم يقع على مقصود يعقوب ، وبيان ذلك : أن ما فعله يعقوب هو صواب من العمل ، وهو الذي عليه عمل الناس ، وهو لم يجعله مرسلا من حيث لفظ أن بل من حيث إنه لم يسند حكاية القصة إلى عمار ، وإلا فلو قال : إن عمارا ، قال : مررت لما جعله مرسلا ، فلما أتى بلفظ إن عمارا مر ، كان محمد هو الحاكي لقصة لم يدركها ; لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فكان نقله لذلك مرسلا .

        قال : والقاعدة أن الراوي إذا روى حديثا في قصة أو واقعة ، فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض الصحابة ، والراوي لذلك صحابي أدرك تلك الواقعة ، فهي محكوم لها بالاتصال ، وإن لم يعلم أنه شاهدها ، وإن لم يدرك تلك الواقعة ، فهو مرسل صحابي ، وإن كان الراوي تابعيا فهو منقطع ، وإن روى التابعي ، عن الصحابي قصة أدرك وقوعها ، فمتصل ، وكذا إن لم يدرك وقوعها ، ولكن أسندها له وإلا فمنقطعة .

        قال : وقد حكى اتفاق أهل التمييز من أهل الحديث على ذلك ، ابن المواق .

        قال : وما حكاه ابن الصلاح : قيل عن أحمد بن حنبل من أن عن وأن ليسا سواء منزل أيضا على هذه القاعدة ، فإن الخطيب رواه في " الكفاية " بسنده إلى أبي داود [ ص: 250 ] ، قال : سمعت أحمد قيل له : إن رجلا قال : قال عروة : إن عائشة قالت : يا رسول الله ، وعن عروة ، عن عائشة سواء قال : كيف هذا سواء ؟ ليس هذا بسواء .

        فإنما فرق أحمد بين اللفظين ; لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ، ولا أدرك القصة ، فكانت مرسلة ، وأما اللفظ الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة ، فكانت متصلة انتهى .

        تنبيه

        كثر استعمال أن أيضا في هذه الأعصار في الإجازة ، وهذا وما تقدم في عن في المشارقة ، أما المغاربة فيستعملونها في السماع والإجازة معا ، وهذان الفرعان ( ق 75 \ أ ) حقهما أن يفردا بنوع يسمى المعنعن كما صنع ابن جماعة وغيره .




        الخدمات العلمية