الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3126 103 - حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن إسماعيل ، قال : حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود ، قال : أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده نحو اليمن ، فقال : الإيمان يمان هاهنا ، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث وما بعده من الأحاديث التي ليس بينها وبين الترجمة المذكورة مطابقة ولا مناسبة ، وإنما كان اللائق أن تكون هذه الترجمة لحديث ابن مسعود وأبي هريرة فقط ; لأن فيهما ذكر الغنم والبقية كان ينبغي أن تكون في الترجمة التي هي باب قول الله تعالى : وبث فيها من كل دابة لوجود المطابقة فيها ، قيل : ولهذا سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي ، ولم يذكرها أيضا الإسماعيلي .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجال الحديث : يحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل بن أبي خالد وقيس بن أبي حازم البجلي ، وعقبة بن عمرو الأنصاري البدري ، وكنيته أبو مسعود ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن ابن المثنى ، عن يحيى ، وفي مناقب [ ص: 192 ] قريش عن علي بن عبد الله ، وفي المغازي عن عبد الله بن محمد . وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر عن أبي أسامة ، وعن محمد بن عبد الله بن نمير ، وعن أبي كريب ، وعن يحيى بن حبيب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : " أشار رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بيده نحو اليمن " ; لأنه كان بتبوك ، وقال هذا القول ، وأشار إلى ناحية اليمن ، وهو يريد مكة والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن ، وقيل : قال - صلى الله عليه وسلم - هذا القول وكان بالمدينة ; لأن كونها هو الغالب عليه ، وعلى هذا تكون الإشارة إلى سياق أهل اليمن ، وقال النووي : أشار إلى اليمن ، وهو يريد مكة والمدينة ، ونسبهما إلى اليمن لكونهما من ناحيته . قوله : " الإيمان يمان " إنما قال ذلك ; لأن الإيمان بدأ من مكة ، وهي من تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال : الكعبة اليمانية ، وقيل : إنما قال هذا القول للأنصار ; لأنهم يمانون ، وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم ، فنسب الإيمان إليهم ، وهذا غريب ، وأغرب منه قول الحكيم الترمذي : إنه إشارة إلى أويس القرني ، وقيل : سبب الثناء على أهل اليمن إسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم للبشرى حين لم يقبلها بنو تميم ، وفي رواية : " أتاكم أهل اليمن ألين قلوبا ، وأرق أفئدة " يريد بلين القلوب سرعة خلوص الإيمان في قلوبهم ، ويقال : الفؤاد غشاء القلب ، والقلب جثته وسويداؤه ، فإذا رق الغشاء أسرع نفوذ الشيء إلى ما وراءه .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عبيد : إنما بدأ الإيمان من مكة ; لأنها مولده ومبعثه ، ثم هاجر إلى المدينة ، ويقال : إن مكة من أرض تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا سمي مكة وما وليها من أرض اليمن تهائم ، فمكة على هذا يمانية .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : الإيمان يمان مبتدأ وخبر ، فكيف يصح حمل اليمان عليه ؟

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : أصله الإيمان يماني ، بياء النسبة ، فحذفوا الياء للتخفيف ، كما قالوا تهامون وأشعرون وسعدون .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ألا إن القسوة وغلظ القلوب " قال السهيلي : إنهما لمسمى واحد ، كقوله : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، البث هو الحزن ، وقال القرطبي : القسوة يراد بها أن تلك القلوب لا تلين ولا تخشع لموعظة ، وغلظها عدم فهمها ، وقد مضى تفسير الفدادين . قوله : " عند أصول أذناب الإبل " أي أنهم يبعدون عن الأمصار فيجهلون معالم دينهم ، قاله الداودي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حيث يطلع قرنا الشيطان " أي جانبا رأسه ، وقال الخطابي : ضرب المثل بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور ، والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد تسلط من الشيطان ومن الكفر . قوله : " في ربيعة ومضر " يتعلق بقوله في الفدادين ، أي المصوتين عند أذناب الإبل وهو في جهة المشرق حيث هو مسكن هاتين القبيلتين ربيعة ومضر ، قال الكرماني : يحتمل أن يكون في ربيعة ومضر بدلا من الفدادين ، وعبر عن المشرق بقوله حيث يطلع قرنا الشيطان ، وذلك أن الشيطان ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرني رأسه ، أي جانبيه فتقع السجدة حين تسجد عبدة الشمس لها .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية