الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المانع الخامس : الإحرام . فإحرام أحد العاقدين أو المرأة يمنع انعقاد النكاح . وقيل : إن كان العاقد الإمام أو القاضي ، فله التزويج ، لقوة ولايتهما . والصحيح المنع .

                                                                                                                                                                        وفي تأثير الإحرام وجهان . أحدهما : سلب الولاية ونقلها إلى الأبعد ، كالجنون . وأصحهما : أنه مجرد الامتناع دون زوال الولاية ، لبقاء الرشد والنظر ، فعلى هذا ، يزوجها السلطان كما لو غاب . وسواء الإحرام بالحج أو العمرة ، والصحيح والفاسد ، ( وقيل : لا يمنع الفاسد ) ، وينعقد بشهادة المحرم على الصحيح ، وخالف الاصطخري . وتصح الرجعة في الإحرام على الأصح .

                                                                                                                                                                        ومن فاته الحج ، هل يصح نكاحه قبل التحلل بعمل عمرة ؟ فيه وجهان حكاهما الحناطي .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح المنع ، لأنه محرم . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 68 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا وكل حلال حلالا في التزويج ، ثم أحرم أحدهما ، أو المرأة ، ففي انعزال الوكيل وجهان . أصحهما : لا ينعزل ، فيزوج بعد التحلل بالوكالة السابقة ، وليس للوكيل الحلال أن يزوج قبل تحلل الموكل . هذا هو المعروف في المذهب ، ونقل الغزالي في الوجيز فيه وجها ، ولم أره لغيره ولا له في الوسيط . ولو وكله في حال إحرام الوكيل أو الموكل أو المرأة ، نظر ، إن وكله ليعقد في الإحرام ، لم يصح . وإن قال : لتزوج بعد التحلل ، أو أطلق ، صح ، لأن الإحرام يمنع الانعقاد دون الإذن . ومن ألحق الإحرام بالجنون ، لم يصححه .

                                                                                                                                                                        ولو قال : إذا حصل التحلل فقد وكلتك ، فهذا تعليق للوكالة ، وقد سبق الخلاف فيه . وإذن المرأة في حال إحرامها على التفصيل المذكور في التوكيل . ولو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج ، صح على الأصح ، لأنه سفير محض ليس إليه من العقد شيء .

                                                                                                                                                                        واعلم أن وكيل المصلي يزوج ، بخلاف وكيل المحرم ، لأن عبارة المحرم غير صحيحة ، وعبارة المصلي صحيحة . حتى لو زوجها في صلاته ناسيا ، صح النكاح والصلاة .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا لم يكن الولي الأقرب حاضرا ، نظر ، إن كان مفقودا لا يعرف مكانه ولا موته وحياته ، زوجها السلطان ، لتعذر نكاحها من جهته . وإن انتهى الأمر إلى غاية يحكم القاضي فيها بموته وقسم ماله بين ورثته - على ما سبق في الفرائض - انتقلت [ ص: 69 ] الولاية إلى الأبعد . وإن عرف مكان الغائب ، فإن كان على مسافة القصر ، زوجها السلطان ، ولا يزوجها الأبعد . وقيل : يزوج الأبعد . وعن القاضي أبي حامد : إن كان من الملوك وكبار الناس ، اشترط مراجعته ، وإن كان من التجار وأوساط الناس ، فلا . والصحيح الأول . وإن كان دون مسافة القصر ، فأوجه . أحدها : كالطويلة ، وهو ظاهر نصه في " المختصر " . وأصحها : لا تزوج حتى يراجع فيحضر أو يوكل ، نص عليه في " الإملاء " .

                                                                                                                                                                        والثالث : إن كان بحيث يتمكن المبتكر إليه من الرجوع إلى منزله قبل الليل ، اشترطت مراجعته ، وإلا ، فلا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        عن الشافعي - رضي الله عنه - : أن السلطان لا يزوج من تدعي غيبة وليها حتى يشهد شاهدان أنه ليس لها ولي حاضر ، وأنها خلية عن النكاح والعدة . فقيل : هذا واجب . وقيل : مستحب .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح أنه مستحب ، وبه قطع إبراهيم المروذي ، ذكره في آخر " كتاب الطلاق " . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا ، لو ألحت في المطالبة ، ورأى السلطان التأخير ، فهل له ذلك ؟ وجهان ، ولا يقبل في هذا إلا شهادة مطلع على باطن أحوالها . وإن كان الولي الغائب ممن لا يزوج إلا بإذن ، فقالت : ما أذنت له ، فللقاضي تحليفها على نفي الإذن .

                                                                                                                                                                        [ ص: 70 ] قلت : قال الغزالي : وللقاضي تحليفها أن وليها لم يزوجها في الغيبة إن رأى ذلك . ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى ، هل هي مستحبة ، أم واجبة ؟ وجهان . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا غاب الولي الأقرب الغيبة المعتبرة ، فالأولى للقاضي أن يأذن للأبعد أن يزوج ، أو يستأذنه ليزوج القاضي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في " فتاوى " البغوي : أن القاضي إذا زوج من غاب وليها ، ثم قدم وليها بعد العقد ، بحيث يعلم أنه كان قريبا من البلد عند العقد ، لم يصح النكاح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية