الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3141 118 - حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، قال : حدثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة ، فأمر بجهازه ، فأخرج من تحتها ، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار ، فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هؤلاء الرواة قد تكرر ذكرهم .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجهاد في باب إذا أحرق المشرك المسلم ، عن أبي هريرة بغير هذا الطريق ، ولفظه : " قرصت نملة نبيا من الأنبياء " الحديث ، قوله : " نزل نبي من الأنبياء " قيل : هذا النبي هو عزير - صلى الله عليه وسلم - وروى الحكيم الترمذي في النوادر أنه موسى عليه الصلاة والسلام ، وبذلك جزم الكلاباذي في معاني الأخبار والقرطبي في التفسير .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فلدغته نملة " بالدال المهملة ، والغين المعجمة : أي قرصته ، ولذعته بالذال المعجمة والعين المهملة معناه : أحرقته وليس المعنى هاهنا إلا على الأول ، والنملة واحدة النمل ، وجمع الجمع نمال ، والنمل أعظم الحيوان حيلة في طلب الرزق ، ومن عجيب أمره أنه إذا وجد شيئا ولو قل أنذر الباقين ، ويحتكر في زمن الصيف للشتاء ، وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ، وإذا حفر مكانه اتخذها تعاريج ; لئلا يجري إليها ماء المطر ، وليس في الحيوان ما يحمل أثقل منه غيره .

                                                                                                                                                                                  ويحكى أن سليمان - صلى الله عليه وسلم - سأل نملة ما يكفيك من الأكل في سنة واحدة ؟ قالت : حبة من القمح ، فأمر بها فحبست في قارورة ، ووضع معها حبة قمح فتركوها سنة ، فطلبها ففتح فم القارورة فإذا فيها النملة ولم تأكل إلا نصفها ، فقال لها : ما قلت ما قوتي حبة قمح في سنة ؟ فقالت : يا نبي الله ، ولكن أنت ملك عظيم الشأن ، مشتغل بالأمور الكثيرة ، فخفت أن تنساني سنتين ، فأكلت نصف القمحة وادخرت نصفها للسنة الأخرى ، فتعجب سليمان - صلى الله عليه وسلم - من أمرها وإدراكها ، وليس هذا ببدع منها ، فانظر ما أخبر الله عنها في سورة النمل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فأمر بجهازه " قال النووي : بكسر الجيم وفتحها ، ومعناه أمر بتهيئة أمره في تلك النملة فأخرج : أي الجهاز من تحتها : أي من تحت الشجرة ، قوله : " ببيتها " أي ببيت تلك النملة ، وفي رواية الزهري التي مضت في كتاب الجهاد : " فأمر بقرية النمل فأحرقت " ، وقرية النمل موضع اجتماعها ، والعرب تفرق في الأوطان ، فتقول لمسكن الإنسان وطن ، وللأسد عرين وغابة ، وللإبل عطن ، وللظبي كناس ، وللذئب وجار ، وللطائر عش ، وللزنبور كور ، ولليربوع نافقاء ، وللنمل قرية .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فأحرق " أي بيتها ، قوله : " فهلا نملة واحدة " : أي فهلا أحرقت نملة واحدة ; لأنها هي التي أذتك ، ولم يصدر من غيرها جناية ، قال النووي : هذا الحديث محمول على أنه كان جائزا في شرع ذلك النبي جواز قتل النمل ، وجواز التعذيب بالنار ، فإنه لم يقع عليه العتب في أصل القتل ، ولا في الإحراق ، بل في الزيادة على النملة الواحدة ، وأما في شرعنا فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار ، وشرع من قبلنا إنما يجوز العمل به إذا لم يقص الله لنا بالإنكار ، ولا يجوز قتل النمل لما روى أصحاب السنن من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النملة والنحلة .

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي : النهي عن قتل النمل السليماني ، وقال البغوي : النمل الصغير الذي يقال له الذر يجوز قتله ، وقال عياض : في هذا الحديث دلالة على جواز قتل كل مؤذ ، وقال القرطبي : ظاهر هذا الحديث أن هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما عاتبه الله حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع آذاه واحد منهم ، وكان الأولى به الصبر والصفح ، وكأنه وقع له أن هذا النوع مؤذ لبني آدم أعظم ، وحرمة بني آدم أعظم من حرمة الحيوان ، فلو انفرد هذا النظر ، ولم ينضم إليه التشفي لم يعاتب ، والذي يؤيد هذا التمسك بأصل عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من النقائص ، وهو أعلم بالله وبأحكامه من غيرهم ، وأشدهم له خشية .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية