الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                قال البخاري - رحمه الله -:

                                836 876 - نا أبو اليمان، أنا شعيب، نا أبو الزناد، أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى ربيعة بن الحارث حدثه، أنه سمع أبا هريرة، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه [ ص: 335 ] تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد ".

                                التالي السابق


                                قوله: " نحن الآخرون " - يعني: في الزمان؛ فإنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأمته آخر الأمم.

                                وقوله: " السابقون " - يعني: في الفضل والكرامة على الله؛ قال الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس

                                وفي حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أنتم موفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل ".

                                وفي رواية أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الحديث -: " نحن الآخرون من أهل الدنيا، الأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق ".

                                خرجه مسلم .

                                وخرجه من حديث حذيفة - بمثله.

                                وخرج من حديث أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث زيادة: " ونحن أول من يدخل الجنة ".

                                وهذا كله - أيضا - من سبقهم؛ فإنهم أول من يحاسب يوم القيامة، ومن يجوز على الصراط، ومن يدخل الجنة.

                                وقوله: " بيد " هو اسم ملازم للإضافة إلى " أن " وصلتها، ومعناه - هاهنا -: غير، ولا يستثنى به في الاتصال، بل في الانقطاع.

                                والمعنى: لكن أهل الكتاب أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا نحن الكتاب من بعدهم، فلهم السبق في الزمان بهذا الاعتبار في الدنيا، لا في الفضل، ولا في الآخرة.

                                [ ص: 336 ] ونقل الربيع ، عن الشافعي : أنه قال في: " بيد أنهم ": من أجل أنهم - فجعله تعليلا.

                                وقوله: " ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه ".

                                " ثم " - هاهنا - لترتيب الأخبار، ويحتمل أنه لترتيب المخبر به، والمراد: أنهم أوتوا الكتاب، ثم فرض عليهم هذا اليوم - والإشارة إلى يوم الجمعة - فاختلفوا فيه، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فالناس لنا فيه تبع.

                                وهذا - أيضا - مما حازت به الأمة السبق مع تأخر زمانهم، فإن اليهود والنصارى لما فرض عليهم تعظيم الجمعة، والعبادة فيه لله، واتخاذه عيدا للاجتماع فيه لذكر الله فيه ، ضلوا عنه، فاختارت اليهود السبت؛ لأنه يوم فرغ فيه الخلق، واختارت النصارى الأحد؛ لأنه يوم بدئ فيه الخلق، فهدانا الله للجمعة، فصار عيدنا أسبق من عيدهم، وصاروا لنا في عيدنا تبعا، فمنهم من عيده الغد من يوم الجمعة، ومنهم من عيده بعد غد.

                                وإنما ضلت الطائفتان قبلنا لتقديمهم رأيهم على ما جاءت به رسلهم وأنبياؤهم، واهتدت هذه الأمة باتباعهم ما جاءهم به رسلهم عن ربهم، من غير تغيير له ولا تبديل.

                                وفي الحديث: دليل على أن الجمعة فرض من الله واجب علينا، كما كان على من قبلنا، فإن الله فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة، واتخاذه عيدا ومجمعا لذكر الله وعبادته، فبدلوه بغيره من الأيام، وهدانا الله له، فدل ذلك على أنه مفروض علينا تعظيمه، واتخاذه عيدا؛ لذكر الله والاجتماع فيه لعبادته، وهذا من أدل دليل على أن شهود الجمعة فرض على هذه الأمة.



                                الخدمات العلمية