الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                656 ص: قال أبو جعفر - رحمه الله -: فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أباح الحرير لمن أباح له لبسه من الرجال للحكة التي كانت، فكان ذلك من علاجها، ولم يكن في إباحته ذلك لهم للعلل التي كانت بهم ما يدل على أن ذلك كان مباحا في غير تلك العلل، فكذلك أيضا ما أباحه رسول الله -عليه السلام- للعرنيين للعلل التي كانت بهم، فليس في إباحته ذلك لهم دليل على أن ذلك مباح في غير تلك العلل، ولم يكن في تحريم لبس الحرير ما ينفي أن يكون حلالا في حال الضرورة، فكذلك حرمة البول في غير حال الضرورة ليس فيه دليل أنه حرام في حال الضرورة، فثبت بذلك أن قول النبي -عليه السلام- في الخمر: "إنها داء وليس شفاء"، إنما هو لأنهم كانوا يتشفون بها لأنها خمر؛ فذلك حرام، وكذلك قول عبد الله - عندنا -: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" إنما هو لما كانوا يفعلون بالخمر، لإعظامهم إياها، ولأنهم كانوا يعدونها شفاء في نفسها، فقال لهم: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

                                                فهذه وجوه هذه الآثار، فلما احتملت ما ذكرنا ولم يكن فيها دليل على طهارة الأبوال، احتجنا أن نراجع، فنلتمس ذلك من طريق النظر، فنعلم كيف حكمه؟ فنظرنا في ذلك، فإذا لحوم بني آدم كل قد أجمع أنها لحوم طاهرة، وأن أبوالهم حرام نجسة، فكانت أبوالهم باتفاقهم محكوما لها بحكم دمائهم، لا بحكم لحومهم، فالنظر على ذلك أن تكون كذلك أبوال الإبل يحكم لها بحكم دمائها لا بحكم لحومها. فثبت بما ذكرنا أن أبوال الإبل نجسة، فهذا هو النظر، وهو قول أبي حنيفة:

                                                التالي السابق


                                                ش: النسخ في هذا الموضع مختلفة، وأحسنها ما كتبناه، وهو ظاهر لا يحتاج إلى البيان.

                                                [ ص: 387 ] قوله: "فثبت بذلك أن قول النبي -عليه السلام-، في الخمر: إنها داء وليس بشفاء"، جواب عن حديث طارق بن سويد الحضرمي .

                                                وقد طغى ابن حزم فيه، قال: إنما جاء من طريق سماك بن حرب، وهو يقبل التلقين، شهد بذلك شعبة وغيره، ثم لو صح لم يكن فيه حجة؛ لأن فيه أن الخمر ليست دواء.

                                                ولا خلاف بيننا أن ما ليس دواء فلا يحل تناوله إذا كان حراما] وإنما خالفناهم في الدواء، وجميع الحاضرين لا يقولون بهذا، بل أصحابنا والمالكيون يبيحون للمختنق شرب الخمر إذا لم يجد ما يسيغ أكلته به غيرها، والحنفيون والشافعيون يبيحونها عند شدة العطش.

                                                قوله: "وكذلك قول عبد الله"، جواب عن أثر عبد الله بن مسعود، وهو ظاهر.

                                                وذكر ابن حزم في "المحلى" قول ابن مسعود، وجعله حديثا عن النبي -عليه السلام-، فقال: روي من طريق جرير ، عن [سليمان] الشيباني ، عن حسان بن المخارق ، عن أم سلمة، عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" ثم قال: هذا حديث باطل؛ لأن [سليمان] الشيباني مجهول.

                                                [ ص: 388 ] قلت: أخرجه ابن حبان في "صحيحه" وصححه، قال: أنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: نا أبو خيثمة، قال: ثنا جرير ، عن الشيباني ، عن حسان بن المخارق قال: "قالت أم سلمة: اشتكت ابنة لي، فنبذت لها في كوز، فدخل النبي -عليه السلام- وهو يغل، فقال: ما هذا؟ فقلت: إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا، فقال -عليه السلام-: إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام".

                                                قوله: "كل قد أجمع" أي: كل واحد من أهل المقالتين.




                                                الخدمات العلمية