الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      76 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز عن داود بن صالح بن دينار التمار عن أمه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضي الله عنها فوجدتها تصلي فأشارت إلي أن ضعيها فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة فقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أن مولاتها ) : أي معتقة أم داود وكانت أمه مولاة لبعض نساء الأنصار ، والمولى : اسم مشترك بين المعتق بالكسر والفتح ، والمراد هاهنا بالكسر ، ( أرسلتها ) : الضمير المرفوع للمولاة والمنصوب لأمه ( بهريسة ) : فعيلة بمعنى مفعولة ، هرسها - من باب قتل - دقها .

                                                                      قال ابن فارس : الهرس : دق الشيء ولذلك سميت الهريسة . وفي النوادر : الهريس : الحب المدقوق بالمهراس قبل أن يطبخ ، فإذا طبخ فهو الهريسة بالهاء ، والمهراس بكسر الميم : هو الحجر الذي يهرس به الشيء ، وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب ، فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر . كذا في المصباح ، وفي بعض كتب اللغة : هريس كأمير طعام يتخذ من الحبوب واللحم وأطيبه ما يتخذ من الحنطة ولحم الديك .

                                                                      قالت أم داود ( فوجدتها ) : أي عائشة ( فأشارت إلي أن ضعيها ) : أي الهريسة ، و " أن " مفسرة لما في الإشارة ، وفيه دليل على أن مثل هذه الأشياء [ ص: 118 ] جائزة في الصلاة ، وقد ثبت في الأحاديث الكثيرة الإشارة في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق ( بفضلها ) : أي بسؤر الهرة .

                                                                      قال الإمام الخطابي : فيه من الفقه أن ذات الهرة طاهرة ، وأن سؤرها غير نجس وأن الشرب منه والوضوء غير مكروه . وفيه دليل على أن سؤر كل طاهر الذات من السباع والدواب والطير وإن لم يكن مأكول اللحم طاهر . انتهى .

                                                                      قال الترمذي : وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأسا .

                                                                      قلت : وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن .

                                                                      وقال أبو حنيفة : بل نجس كالسبع ، لكن خفف فيه فكره سؤره ، واستدل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الهرة سبع في حديث أخرجه أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ " السنور سبع " وأجيب بأن حديث الباب ناطق بأنها ليست بنجس ، فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة السباع ، وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس ، إذ لا ملازمة بين النجاسة والسبعية ، على أنه قد أخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة . وقال له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ : " أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال : نعم ، وبما أفضلت السباع كلها " وحديث عائشة المذكور في الباب نص على محل النزاع . قاله الشوكاني .

                                                                      قال المنذري قال الدارقطني : تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ . انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية