الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 219 ] الكلام على قريش نسبا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واشتقاقا وفضلا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهم بنو النضر بن كنانة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وأم النضر برة بنت مر بن أد بن طابخة ، وسائر بنيه لامرأة أخرى ، وخالفه ابن هشام فجعل برة بنت مر أم النضر ومالك وملكان ، وأم عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف ، من أزد شنوءة قال ابن هشام : النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ، وقال : ويقال : فهر بن مالك هو قريش فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ، وهذان القولان قد حكاهما غير واحد من أئمة النسب كالشيخ أبي عمر بن عبد البر والزبير بن بكار ومصعب وغير واحد ، قال أبو عبيد وابن عبد البر : والذي عليه الأكثرون أنه النضر بن كنانة ; لحديث الأشعث بن قيس قلت : وهو الذي نص عليه هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وأبو عبيدة معمر [ ص: 220 ] ابن المثنى وهو جادة مذهب الشافعي رضي الله عنه ، ثم اختار أبو عمر أنه فهر بن مالك ، واحتج بأنه ليس أحد اليوم ممن ينتسب إلى قريش إلا وهو يرجع في نسبه إلى فهر بن مالك ، ثم حكى اختيار هذا القول عن الزبير بن بكار ، ومصعب الزبيري ، وعلي بن كيسان قال : وإليهم المرجع في هذا الشأن وقد قال الزبير بن بكار وقد أجمع نساب قريش وغيرهم أن قريشا إنما تفرقت من فهر بن مالك والذي عليه من أدركت من نساب قريش أن ولد فهر بن مالك قرشي ، وأن من جاوز فهر بن مالك بنسبه فليس من قريش ، ثم نصر هذا القول نصرا عزيزا ، وتحامى له بأنه ونحوه أعلم بأنساب قومهم ، وأحفظ لمآثرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البخاري من حديث كليب بن وائل قال : قلت لربيبة النبي صلى الله عليه وسلم - يعني زينب في حديث ذكره - : أخبريني عن النبي صلى الله عليه وسلم أكان من مضر ؟ قالت : فممن كان إلا من مضر ؟ من بني النضر بن كنانة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الطبراني : ثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ثنا الحسن بن صالح عن أبيه عن الجفشيش الكندي قال : جاء قوم من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أنت منا وادعوه ، [ ص: 221 ] فقال : لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ، نحن ولد النضر بن كنانة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد : ثنا أبي ثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال جاء رجل من كندة يقال له : الجفشيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نزعم أن عبد مناف منا فأعرض عنه ، ثم عاد فقال مثل ذلك ، ثم أعرض عنه ، ثم عاد فقال مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا فقال الأشعث : ألا كنت سكت من المرة الأولى فأبطل ذلك قولهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم . وهذا غريب أيضا من هذا الوجه والكلبي ضعيف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعفان قالا : ثنا حماد بن سلمة قال : ثني عقيل بن أبي طلحة ، وقال عفان : عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن الهيصم عن الأشعث بن قيس أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة قال عفان : لا يروني أفضلهم قال فقلت : يا رسول الله إنا نزعم أنكم منا قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو [ ص: 222 ] أمنا ولا ننتفي من أبينا قال : فقال الأشعث بن قيس : فوالله لا أسمع أحدا نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد ، وهكذا رواه ابن ماجه من طرق عن حماد بن سلمة به . وهذا إسناد جيد قوي وهو فيصل في هذه المسألة فلا التفات إلى قول من خالفه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال جرير بن عطية التميمي يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما الأم التي ولدت قريشا بمقرفة النجار ولا عقيم


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما قرم بأنجب من أبيكم     ولا خال بأكرم من تميم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام يعني أم النضر بن كنانة ، وهي برة بنت مر أخت تميم بن مر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما اشتقاق قريش فقيل : من التقرش وهو التجمع بعد التفرق ، وذلك في زمن قصي بن كلاب فإنهم كانوا متفرقين فجمعهم بالحرم ، كما سيأتي بيانه ، وقد قال حذافة بن غانم العدوي


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبوكم قصي كان يدعى مجمعا     به جمع الله القبائل من فهر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : كان قصي يقال له : قريش ، قيل : من التجمع . [ ص: 223 ] والتقرش : التجمع كما قال أبو خلدة اليشكري


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إخوة قرشوا الذنوب علينا     في حديث من دهرنا وقديم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : سميت قريش من التقرش وهو التكسب والتجارة ، حكاه ابن هشام رحمه الله ، وقال الجوهري : القرش الكسب والجمع ، وقد قرش يقرش قال الفراء : وبه سميت قريش وهي قبيلة ، وأبوهم النضر بن كنانة فكل من كان من ولده فهو قرشي دون ولد كنانة فما فوقه ، وقيل : من التفتيش قال هشام بن الكلبي : كان النضر بن كنانة تسمى قريشا; لأنه كان يقرش عن خلة الناس ، وحاجتهم فيسدها بماله والتقرش هو التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيرفدونهم بما يبلغهم بلادهم فسموا بذلك من فعلهم وقرشهم قريشا ، وقد قال الحارث بن حلزة في بيان أن التقرش التفتيش


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيها الناطق المقرش عنا     عند عمرو فهل له إبقاء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حكى ذلك الزبير بن بكار ، وقيل : قريش تصغير قرش ، وهو دابة في البحر . قال بعض الشعراء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 224 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقريش هي التي تسكن البحر     بها سميت قريش قريشا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو الحسن علي بن عيسى الماليني حدثنا محمد بن الحسن بن الخليل النسوي أن أبا كريب حدثهم حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي ركانة العامري أن معاوية قال لابن عباس : فلم سميت قريش قريشا ؟ فقال : لدابة تكون في البحر تكون أعظم دوابه فيقال لها : القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته . قال : فأنشدني في ذلك شيئا فأنشده شعر الجمحي إذ يقول


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقريش هي التي تسكن البحر     بها سميت قريش قريشا


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تأكل الغث والسمين ولا     تترك لذي الجناحين ريشا


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هكذا في البلاد حي قريش     يأكلون البلاد أكلا كميشا


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولهم آخر الزمان نبي     يكثر القتل فيهم والخموشا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : سموا بقريش بن الحارث بن يخلد بن النضر بن كنانة وكان دليل بني النضر ، وصاحب ميرتهم فكانت العرب تقول : قد جاءت عير قريش ، قالوا : وابن بدر بن قريش هو الذي حفر البئر المنسوبة إليه ، التي كانت عندها الوقعة العظمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 225 ] ويقال في النسبة إلى قريش : قرشي وقريشي ، قال الجوهري : وهو القياس قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لكل قريشي عليه مهابة     سريع إلى داعي الندا والتكرم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فاذا أردت بقريش الحي صرفته ، وإن أردت القبيلة منعته ، قال الشاعر في ترك الصرف :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكفى قريش المعضلات وسادها



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى مسلم في صحيحه ، من حديث أبي عمر والأوزاعي قال : حدثني شداد أبو عمار حدثني واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم قال أبو عمر ابن عبد البر : يقال : بنو عبد المطلب فصيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنو هاشم فخذه ، وبنو عبد مناف بطنه ، وقريش عمارته ، وبنو كنانة قبيلته ، ومضر شعبه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 226 ] ثم قال ابن إسحاق : فولد النضر بن كنانة مالكا ويخلد . قال ابن هشام : والصلت ، وأمهم جميعا بنت سعد بن الظرب العدواني قال كثير بن عبد الرحمن وهو كثير عزة أحد بني مليح بن عمرو من خزاعة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي     لكل هجان من بني النضر أزهرا


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رأيت ثياب العصب مختلط السدى     بنا وبهم والحضرمي المخصرا


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا     أراكا بأذناب الفوائج أخضرا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : وبنو مليح بن عمرو يعزون إلى الصلت بن النضر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فولد مالك بن النضر فهر بن مالك ، وأمه جندلة بنت الحارث بن مضاض الأصغر ، وولد فهر غالبا ومحاربا والحارث وأسدا ، وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : وأختهم لأبويهم جندلة بنت فهر . قال ابن إسحاق : فولد غالب بن فهر لؤي بن غالب وتيم بن غالب وهم الذين [ ص: 227 ] يقال لهم : بنو الأدرم ، وأمهما سلمى بنت عمرو الخزاعي قال ابن هشام : وقيس بن غالب ، وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي ، وهي أم لؤي وتيم ابني غالب . قال ابن إسحاق : فولد لؤي بن غالب أربعة نفر كعبا وعامرا وسامة وعوفا . قال ابن هشام : ويقال : والحارث وهم جشم بن الحارث في هزان من ربيعة ، وسعد بن لؤي ، وهم بنانة في شيبان بن ثعلبة ، وبنانة حاضنة لهم ، وخزيمة بن لؤي ، وهم عائذة في شيبان بن ثعلبة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر ابن إسحاق خبر سامة بن لؤي ، وأنه خرج إلى عمان فكان بها; وذلك لشنآن كان بينه وبين أخيه عامر فأخافه عامر فخرج عنه هاربا إلى عمان ، وأنه مات بها غريبا ، وذلك أنه كان يرعى ناقته فعلقت حية بمشفرها فوقعت لشقها ، ثم نهشت الحية سامة حتى قتلته فيقال : إنه كتب بأصبعه على الأرض


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عين فابكي لسامة بن لؤي     علقت ما بسامة العلاقه


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا أرى مثل سامة بن لؤي     يوم حلوا به قتيلا لناقه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 228 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بلغا عامرا وكعبا رسولا     أن نفسي إليهما مشتاقه


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن تكن في عمان داري فإني     غالبي خرجت من غير فاقه


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رب كأس هرقت يا ابن لؤي     حذر الموت لم تكن مهراقه


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي     ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخروس السرى تركت رذيا     بعد جد وجدة ورشاقه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام وبلغني أن بعض ولده ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتسب إلى سامة بن لؤي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم آلشاعر ؟ فقال له بعض أصحابه : كأنك يا رسول الله أردت قوله


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رب كأس هرقت يا ابن لؤي     حذر الموت لم تكن مهراقه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال أجل .
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر السهيلي عن بعضهم أنه لم يعقب ، وقال الزبير : ولد سامة بن لؤي غالبا والنبيت والحارث ، قالوا : وكانت له ذرية بالعراق يبغضون عليا ، ومنهم علي بن الجعد كان يشتم أباه لكونه سماه عليا ، ومن بني سامة بن [ ص: 229 ] لؤي محمد بن عرعرة بن اليزيد شيخ البخاري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن إسحاق : وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبطئ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه فشاع نسبه في ذبيان وثعلبة فيما يزعمون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أن عمر بن الخطاب قال : لو كنت مدعيا حيا من العرب أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني عوف بن لؤي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم أن عمر بن الخطاب قال لرجال منهم من بني مرة : إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم فارجعوا إليه . قال ابن إسحاق : وكان القوم أشرافا في غطفان هم سادتهم ، وقادتهم قوم لهم صيت في غطفان وقيس كلها فأقاموا على نسبهم ، قال : وكانوا [ ص: 230 ] يقولون إذا ذكر لهم نسبهم : ما ننكره وما نجحده ، وإنه لأحب النسب إلينا ، ثم ذكر أشعارهم في انتمائهم إلى لؤي قال ابن إسحاق : وفيهم كان البسل وهو تحريم ثمانية أشهر لهم من كل سنة من بين العرب وكانت العرب تعرف لهم ذلك ، ويأمنونهم فيها ويؤمنونهم أيضا . قلت : وكانت ربيعة ومضر إنما يحرمون أربعة أشهر من السنة وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، واختلفت ربيعة ومضر في الرابع وهو رجب فقالت مضر : هو الذي بين جمادى وشعبان ، وقالت ربيعة : هو الذي بين شعبان وشوال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في الصحيحين عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في خطبة حجة الوداع : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان . فنص على ترجيح قول مضر لا ربيعة . وقد قال الله عز وجل إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم [ التوبة : 36 ] فهذا رد على بني عوف بن لؤي في جعلهم الأشهر الحرم ثمانية فزادوا على حكم الله ، وأدخلوا فيه ما ليس منه ، وقوله في الحديث ثلاث متواليات ، رد على أهل النسيء الذين كانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر ، وقوله فيه : ورجب مضر رد على ربيعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 231 ] قال ابن إسحاق : فولد كعب بن لؤي ثلاثة ; مرة وعديا وهصيصا ، وولد مرة ثلاثة أيضا; كلاب بن مرة وتيم بن مرة ويقظة بن مرة ، من أمهات ثلاث قال : وولد كلاب رجلين قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب ، وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل أحد الجدرة من جعثمة الأسد من اليمن حلفاء بني الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وفي أبيها يقول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما نرى في الناس شخصا واحدا     من علمناه كسعد بن سيل


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فارسا أضبط فيه عسرة     وإذا ما واقف القرن نزل


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فارسا يستدرج الخيل كما     استدرج الحر القطامي الحجل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال السهيلي : سيل اسمه خير بن حمالة ، وهو أول من طليت له السيوف بالذهب والفضة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وإنما سموا الجدرة ; لأن عامر بن عمرو بن خزيمة بن [ ص: 232 ] جعثمة تزوج بنت الحارث بن مضاض الجرهمي ، وكانت جرهم إذ ذاك ولاة البيت فبنى للكعبة جدارا فسمي عامر بذلك الجادر فقيل لولده : الجدرة لذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية