الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك يعقوب فارس

وفيها ، رابع جمادى الأولى ، ملك يعقوب بن الليث فارس ، ولما بلغ علي بن الحسين بن شبل بفارس ما فعله يعقوب بطوق أيقن بمجيئه إليه ، وكان علي بشيراز ، فجمع جيشه وسار إلى مضيق خارج شيراز ، من أحد جانبيه جبل لا يسلك ، ومن الجانب الآخر نهر لا يخاض ، فأقام على رأس المضيق ، وهو ضيق ممره لا يسلكه إلا واحد بعد واحد ، وهو على طرف البر ، وقال : إن يعقوب لا يقدر على الجواز إلينا . فرجع .

وأقبل يعقوب حتى دنا من ذلك المضيق ، فنزل على ميل منه ، وسار وحده ومعه رجل آخر ، فنظر إلى ذلك المضيق والعسكر وأصحاب [ علي بن ] الحسن يسبونه وهو ساكت ثم رجع إلى أصحابه ، فلما كان الغد الظهر سار بأصحابه حتى صار إلى طرف المضيق مما يلي كرمان ، فأمر أصحابه بالنزول وحط الأثقال ، ففعلوا ، وركبوا دوابهم عريا ، وأخذ كلبا كان معه فألقاه في الماء ، فجعل يسبح إلى جانب عسكر [ علي بن ] الحسين ، وكان علي بن الحسين وأصحابه قد ركبوا ينظرون إلى فعله ، ويضحكون منه .

وألقى يعقوب نفسه وأصحابه في الماء على خيلهم ، وبأيديهم الرماح ، يسيرون خلف الكلب ، فلما رأى علي بن الحسين أن يعقوب قد قطع عامة النهر تحير في أمره ، وانتقض عليه تدبيره ، وخرج أصحاب يعقوب من وراء أصحاب علي ، فلما خرج أوائلهم هرب أصحابه إلى مدينة شيراز ، لأنهم كانوا يصيرون ، إذا خرج يعقوب وأصحابه ، بين جيش يعقوب والمضيق ، ولا يجدون ملجأ ، فانهزموا ، فسقط علي بن الحسين عن دابته ، [ ص: 255 ] كبا به الفرس ، فأخذ أسيرا ، وأتي به إلى يعقوب ، فقيده ، وأخذ كل ما في عسكره ، ثم رحل من موضعه ، ودخل شيراز ليلا ، فلم يتحرك أحد ، فلما أصبح نهب أصحابه دار علي ودور أصحابه ، وأخذ ما في بيوت الأموال ، وجبى الخراج ورجع إلى سجستان .

وقيل : إنه جرى بين يعقوب الصفار وبين علي بن الحسين ، بعد عبوره النهر ، حرب شديدة ، وذلك أن عليا كان قد جمع عنده جمعا كثيرا من الموالي والأكراد وغيرهم ، بلغت عدتهم خمسة عشر ألفا بين فارس وراجل ، فعبأ أصحابه ميمنة ، وميسرة ، ووقف هو في القلب ، وأقبل الصفار فعبر النهر ، فلما صار مع علي على أرض واحدة حمل هو وعسكره حملة واحدة على عسكر علي ، فثبتوا لهم ، ثم حمل ثانية ، فأزالهم عن مواقفهم ، وصدقهم في الحرب ، فانهزموا على وجوههم لا يلوي أحد على أحد .

وتبعهم علي يصيح بهم ، ويناشدهم الله ليرجعوا ، أو ليقفوا ، فلم يلتفت إليه أحد ، وقتل الرجالة قتلا ذريعا ، وأقبل المنهزمون إلى ( باب ) شيراز مع العصر ، فازدحموا في الأبواب ، فتفرقوا في نواحي فارس ، وبلغ بعضهم في هزيمته إلى الأهواز .

فلما رأى الصفار ما لقوا من القتل أمر بالكف عنهم ، ولولا ذلك لقتلوا عن آخرهم .

وكان القتلى خمسة آلاف قتيل ، وأصاب علي بن الحسين ثلاث جراحات ، ثم أخذ أسيرا لما عرفوه ، ودخل الصفار إلى شيراز ، وطاف بالمدينة ، ونادى بالأمان فاطمأن الناس ، وعذب عليا بأنواع العذاب ، وأخذ من أمواله ألف بدرة ، ( وقيل : أربع مائة بدرة ) ومن السلاح والأفراس ، وغير ذلك ما لا يحد ، وكتب إلى الخليفة بطاعته ، وأهدى له هدية جليلة ، منها عشرة بيزان بيض ، وباز أبلق صيني ، ومائة من مسكا وغيرها من الطرائف ، وعاد إلى سجستان ومعه علي ، وطوق ، تحت الاستظهار ، فلما فارق بلاد فارس أرسل الخليفة عماله إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية