الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3158 10 – حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال : حدثني عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ; لأنه أول من سن القتل .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن القاتل فيه وهو قابيل ، كما نذكره هو ابن آدم من صلبه ، وهو داخل في لفظ الذرية في الترجمة ، وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات ، عن قبيصة ، عن سفيان الثوري ، وفي الاعتصام عن الحميدي عن سفيان بن عيينة ، وأخرجه مسلم في الحدود ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وعن عثمان بن أبي شيبة ، وعن ابن أبي عمر ، وأخرجه الترمذي في العلم عن محمود بن غيلان ، وأخرجه النسائي في التفسير عن علي بن خشرم ، وفي المحاربة عن عمرو بن علي ، وأخرجه ابن ماجه في الديات عن هشام بن عمار .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا تقتل نفس " على صيغة المجهول ، والمراد بالنفس نفس ابن آدم ، وظلما نصب على التمييز ، قوله : " إلا كان على ابن آدم الأول " المراد من الابن هنا هو قابيل ، وآدم الأول هو آدم النبي عليه الصلاة والسلام أبو قابيل ، وقد قتل هو أخاه هابيل ، وكان عمره عشرين سنة ، وعمر قابيل خمسة وعشرين سنة .

                                                                                                                                                                                  وقال الطبري : وأهل العلم مختلفون في اسم القاتل فبعضهم يقول : هو قين بن آدم ، وبعضهم يقول : هو قاين بن آدم ، وبعضهم يقول : هو قابيل ، واختلفوا أيضا في سبب قتله هابيل فقال عبد الله بن عمرو : إن الله تعالى أمر بني آدم أن يقربا قربانا ، وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه ، وصاحب الحرث قرب شر حرثه ، فقبل الله قربان الأول .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه ، وإنما كان القربان يقربه الرجل فبينما هما قاعدان إذ قالا : لو قربنا فقربا قربانا فتقبل من أحدهما .

                                                                                                                                                                                  قلت : حكى السدي عن أشياخه عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء ، وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قالوا : كانت حواء تلد توأما في كل بطن غلاما وجارية إلا شيثا ، فإنها ولدته مفردا ، فلما كان بعد مائة سنة من هبوط آدم عليه الصلاة والسلام إلى الدنيا ولدت قابيل وتوأمته أقليما ، ثم هابيل وتوأمته ليوذا ، وكان آدم يزوج ابنه أخته التي لم تكن توأمته ، فلما بلغ قابيل وهابيل أمر الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام أن يزوج قابيل ليوذا أخت هابيل ، ويزوج هابيل أقليما أخت قابيل ، وكانت من أجمل النساء قامة وأجملهن وأحسنهن صورة ، فلم يرض قابيل ، وقال : أنا أحق بأختي أنا وأختي من أولاد الجنة وهابيل وأخته من أولاد الدنيا ، فقال آدم : قربا قربانا ، وكان قابيل صاحب زرع ، وهابيل صاحب غنم ، فقرب قابيل صبرة من طعام من أردى زرعه ، وأضمر في نفسه ، وقال : ما أبالي أتقبل مني أم لا بعد أن يتزوج هابيل أختي ، وقرب هابيل كبشا سمينا من خيار غنمه ولبنا وزبدا ، وأضمر في نفسه الرضا بالله تعالى ، وكان القربان إذا قبل تنزل من السماء نار بيضاء [ ص: 215 ] فتأكله فنزلت نار فأكلت قربان هابيل ، ولم تأكل من قربان قابيل شيئا ، فأخذ قابيل في نفسه حتى قتل هابيل . وعن ابن عباس : لم يزل الكبش يرعى في الجنة حتى فدي به إسماعيل عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في أي موضع كان القربان فعامة العلماء على أنه كان بالهند ، واختلفوا أيضا في كيفية قتله ، فقال ابن جريج : إنه أتاه وهو نائم فلم يدر كيف يقتله ؟ فأتاه الشيطان متمثلا فأخذ طيرا ، فوضع رأسه على حجر ، ثم شدخ رأسه بحجر آخر ، وقابيل ينظر إليه ، ففعل بهابيل كذلك .

                                                                                                                                                                                  وعن ابن عباس : رماه بحجر فقتله ، وروى مجاهد عنه أنه رضخ رأسه بصخرة ، وعن الربيع أنه اغتاله فقتله ، وقيل : خنقه ، وقيل : ضربه بحديدة فقتله .

                                                                                                                                                                                  واختلفوا أيضا في موضع مصرعه ، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه على جبل ثور ، وعن جعفر الصادق بالبصرة مكان الجامع ، وعن الطبري على عقبة حراء ، وعن المسعودي قتله بدمشق ، وكذا قاله الحافظ بن عساكر في تاريخ دمشق ، فقال : كان قابيل يسكن خارج باب الجابية ، وأنه قتل أخاه على جبل قاسيون عند مغارة الدم ، وقال كعب : الدم الذي على قاسيون هو دم ابن آدم ، وقال سبط بن الجوزي : والعجب من هذه الأقوال وقد اتفق أرباب السير أن الواقعة كانت بالهند ، وأن قابيل اغتنم غيبة أبيه بمكة ، فما الذي أتى به إلى جبل ثور وحراء وهما بمكة ؟ وما الذي أتى به إلى البصرة ولم تكن أسست ؟ وأين الهند ودمشق والجابية ؟ وهل وضعت التواريخ إلا ليتميز الصحيح والسقيم ، والسالم والسليم ؟ اللهم غفرا .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : روي عن ابن عباس أنه قتله على جبل نوذ بالهند ، وهذا هو الصحيح ، وحكى الثعلبي عن معاوية بن عمار سألت الصادق أكان آدم يزوج ابنته من ابنه فقال : معاذ الله ! وإنما هو لما أهبط إلى الأرض ولدت حواء عليها الصلاة والسلام بنتا فسماها عناقا ، وهي أول من بغى على وجه الأرض ، فسلط الله عليها من قتلها ، فولد له على إثرها قابيل ، فلما أدرك أظهر الله له جنية يقال لها : حمامة ، فأوحى الله إليه أن زوجها منه ، فلما أدرك هابيل أهبط الله إليه من الجنة حوراء ، اسمها بذلة ، فأوحى الله إليه أن زوجها منه ، فأعتب قابيل على أبيه ، وقال : أنا أسن منه ، وكنت أحق بها ، قال : يا بني ، إن الله تعالى أوحى إلي بذلك فقربا قربانا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " كفل " بكسر الكاف وإسكان الفاء وهو النصيب والجزء ، وقال الخليل : الكفل من الأجر والإثم هو الضعف ، وفي التنزيل : من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وأما قوله تعالى : يؤتكم كفلين من رحمته فلعله من تغليب الخير ، قوله : " لأنه " : أي لأن ابن آدم الأول أول من سن القتل : أي على وجه الأرض من بني آدم ، فإن قيل : قال الله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى أجيب بأن هذا جزاء تأسيس فهو فعل سنة ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية