الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  قال : وقال الليث : عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من جهة أن الترجمة جزء منه : أي قال البخاري ، وقال الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، هذا التعليق وصله البخاري في الأدب المفرد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، ووصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب ، وفي الحديث قصة ذكرها أبو يعلى وغيره ، وهي أن عمرة قالت كانت بمكة امرأة مزاحة ، فنزلت على امرأة مثلها ، فبلغ ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت : صدق حين سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول : " الأرواح جنود مجندة " الحديث .

                                                                                                                                                                                  والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز ، يعني ابن محمد ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الأرواح جنود مجندة " إلى آخره نحوه ، قوله : " الأرواح " جمع روح وهو الذي يقوم به الجسد ، ويكون به الحياة ، قوله : " جنود مجندة " : أي جموع مجتمعة ، وأنواع مختلفة ، وقيل : أجناس مجنسة ، وفي هذا دليل على أن الأرواح ليست بأعراض فإنها كانت [ ص: 216 ] موجودة قبل الأجساد ، وإنها تبقى بعد فناء الأجساد ، ويؤيده : " أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر " قوله : " فما تعارف منها " تعارفها موافقة صفاتها التي خلقها الله عليها وتناسبها في أخلاقها ، وقيل : لأنها خلقت مجتمعة ، ثم فرقت في أجسادها ، فمن وافق قسيمه ألفه ، ومن باعده نافره ، وقال الخطابي فيه وجهان : أحدهما أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر ، وإن الخير من الناس يحن إلى شكله ، والشرير يميل إلى نظيره ، والأرواح إنما تتعارف بضرائب طباعها التي جبلت عليها من الخير والشر ، فإذا اتفقت الأشكال تعارفت وتآلفت ، وإذا اختلفت تنافرت وتناكرت ، والآخر : أنه روي أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد ، وكانت تلتقي فلما التبست بالأجساد تعارفت بالذكر الأول ، فصار كل واحد منها إنما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد المتقدم ، وقال القرطبي : إذا وجد أحد من نفسه نفرة ممن له فضيلة ، أو صلاح يفتش عن الموجب لها ، فإنه ينكشف له فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم ، وكذلك القول إذا وجد في نفسه ميلا إلى من فيه شر وشبهة ، وشاع في كلام الناس قولهم : المناسبة تؤلف بين الأشخاص ، والشخص يؤلف بين شكله ولما نزل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الكوفة قال : يا أهل الكوفة ، قد علمنا خيركم من شريركم فقالوا : لم ذلك ؟ قال : كان معنا ناس من الأخيار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأخيار ، وكان معنا ناس من الأشرار فنزلوا عند ناس ، فعلمنا أنهم من الأشرار ، وكان كما قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                  عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي






                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية