الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة [ ص: 143 ] برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: ما يماري فيها ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ما يجحد بها ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي الفرق بين المجادلة والمناظرة وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن المجادلة لا تكون إلا بين مبطلين أو مبطل ومحق ، والمناظرة بين محقين.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن المجادلة فتل الشخص عن مذهبه محقا أو مبطلا ، والمناظرة التوصل إلى الحق في أي من الجهتين كان.

                                                                                                                                                                                                                                        وقيل إنه أراد بذلك الحارث بن قيس السهمي وكان أحد المستهزئين. فلا يغررك تقلبهم في البلاد قال قتادة : إقبالهم وإدبارهم وتقلبهم في أسفارهم ، وفيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: لا يغررك تقلبهم في الدنيا بغير عذاب ، قاله يحيى .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لا يغررك تقلبهم في السعة والنعمة قاله مقاتل وقيل إن المسلمين قالوا نحن في جهد والكفار في السعة ، فنزل فلا يغررك تقلبهم في البلاد حكاه النقاش وفيه حذف تقديره: فلا يغررك تقلبهم في البلاد سالمين فسيؤخذون.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: ليحبسوه ويعذبوه، حكاه ابن قتيبة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ليقتلوه، قاله قتادة والسدي . والعرب تقول: الأسير الأخيذ لأنه مأسور للقتل ، وأنشد قطرب قول الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                        فإما تأخذوني تقتلوني ومن يأخذ فليس إلى خلود

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 144 ] وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: عند دعائه لهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: عند نزول العذاب بهم. وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق قال يحيى بن سلام : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان. فأخذتهم قال السدي : فعذبتهم. فكيف كان عقاب في هذا السؤال وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه سؤال عن صدق العقاب ، قال مقاتل وجدوه حقا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: عن صفته ، قال قتادة : شديد والله.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أي كما حقت على أولئك حقت على هؤلاء. وفي تأويلها وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: وكذلك وجب عذاب ربك.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: وكذلك صدق وعد ربك. أنهم أصحاب النار جعلهم أصحابها لأنهم يلزمونها وتلزمهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية