الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1778 حديث أول لسهيل بن أبي صالح

مالك ، عن سهيل بن أبي صالح السمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا أحب الله العبد قال لجبريل : يا جبريل ، قد أحببت فلانا ، فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله قد أحب فلانا ، فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض الله العبد . قال مالك : لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك .

التالي السابق


لم يختلف الرواة فيما علمت ، عن مالك في هذا الحديث ، وقد رواه ، عن سهيل جماعة ، فبعضهم لم يشكوا ، وقطعوا في البغض بمثل ذلك ، وممن رواه كذلك عن سهيل بإسناده هذا ، وذكر البغض من غير شك ، معمر ، وعبد العزيز [ ص: 238 ] بن المختار ، وحماد بن سلمة ، قالوا في آخره : وإذا أبغض بمثل ذلك ، ولم يشكوا .

ورواه ابن أبي سلمة عن سهيل ، فلم يذكر البغض أصلا :

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحب الله عبدا ، قال : يا جبريل ، إني أحب فلانا فأحبوه ، فينادي جبريل في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فإذا أحبه أهل السماء أحبه أهل الأرض .

وقد روى نافع مولى ابن عمر ، عن أبي هريرة الحديث بمثل ذلك لم يذكر البغض :

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرنا موسى بن عقبة ، عن نافع ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحب الله العبد ، نادى جبريل عليه السلام : إن الله قد أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء : إن الله قد أحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض .

وذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج بإسناده مثله إلى آخره سواء .

في هذا الحديث من العلم والفقه : أن الله عز وجل في السماء ليس في الأرض ، وأن جبريل أقرب الملائكة إليه ، وأحظاهم عنده صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 239 ] وفيه أن الود والمحبة بين الناس الله يبتدئها ويبسطها ، والقرآن يشهد بذلك ، قال الله عز وجل ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال المفسرون : يحبهم ويحببهم إلى الناس .

ذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله ( سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال يحبهم ويحببهم إلى الناس ، قال : وحدثنا علي بن هاشم ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال يحبهم ويحببهم .

وقال عز وجل فيما يعدد من نعمته على موسى نبيه ورسوله وكليمه عليه السلام ( وألقيت عليك محبة مني ) .

ذكر ابن أبي شيبة ، عن حسين بن علي ، عن موسى بن قيس ، عن سلمة بن كهيل ( وألقيت عليك محبة مني ) قال حببتك إلى عبادي .

وذكر سنيد : حدثنا حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس قال : إذا أحب الله عبدا ألقى له مودة في قلوب أهل السماء ، ثم ألقى له مودة في قلوب أهل الأرض .

قال : وحدثنا حماد بن زيد ، عن هشام ، عن حفصة بنت سيرين ، عن ربيع بن زياد ، عن كعب ، قال : والله ما استقر لعبد ثناء في أهل الدنيا حتى يستقر له في السماء .

قال : وحدثني شيخ ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، عن كعب قال : قرأت في التوراة : أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض إلا كان بدؤها من الله ينزلها على أهل السماء ، ثم ينزلها على أهل [ ص: 240 ] الأرض ، ثم قرأت القرآن فوجدت فيه ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، قال : حدثنا ابن المغني ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، قال : كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد - وهو أمير على مصر - : أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله ، فإذا أحبه الله حببه إلى خلقه ، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله ، وإذا أبغضه الله بغضه إلى خلقه .

قال أبو عمر :

هذا كلام خرج على العموم ، ومعناه الخصوص ، أي حبب أهل الطاعة إلى أهل الإيمان ، وبغض إليهم أهل النفاق والعصيان ، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - القلوب أجناد مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .

وقال سعيد بن أبي عروبة وشيبان ، عن قتادة ، قال : قال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان عليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .

وقال عبد الله بن مسعود : لا تسألن أحدا عن وده إياك ، ولكن انظر ما في نفسك له ، فإن في نفسه مثل ذلك ; إن الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا موسى بن يعقوب ، قال : حدثنا سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأرواح جنود مجندة تطوف بالليل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف .




الخدمات العلمية